الأحد، 7 ديسمبر 2014

إصلاح أوضاعنا

السيد الامام موسى الصدر


بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
في الأسابيع الماضية وبمناسبة ذكرى سيدة النساء فاطمة الزهراء (س) تحدثنا بما تيسر عن سيرة فاطمة الزهراء. واليوم، ونحن بين هذه الذكرى الطيبة، وبين ذكرى عزيزة قادمة، ذكرى مولد الإمام أمير المؤمنين (س) بين هاتين الذكريين، نرجع إلى أنفسنا حتى نحاول أن نجد مقدار استفادتنا من هذه الذكرى فيما يعود إلى حياتنا العادية، الحياة التي نعيشها.
نحن ننظر إلى وضعنا، فنجد أن وضعنا غير مُرضٍ، من جميع النواحي: من النواحي الشخصية، ومن النواحي العائلية، ومن النواحي الوطنية، ومن النواحي الاجتماعية، من كل جانب. نفتش عن السبب، لماذا وضعنا غير مُرضٍ، هل نحن أقل شأنًا من الأمم والأقوام والأوطان الذين تحسنت أوضاعهم، وتمكنوا أن يبلغوا درجة عالية من الوضع الاجتماعي، والوضع الخلقي والوضع التربوي؟
الأمم التي عاشت وتعيش في عز، هل نحن أقل في أمورنا العائلية من سائر الناس الذين يعيشون حياة عائلية سعيدة؟ هل نحن جنسنا وعنصرنا يختلف عن عنصر غيرنا من الناس؟ نحن لا نؤمن بالفرق، لأن ديننا صريح في أن البشر سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على الآخر.
كل الناس مثل بعضهم البعض، بمقدورهم أن يكونوا جيدين وبمقدورهم ألا يكونوا. ديننا يقول الأمم والشعوب والفِرَق، اختلافها ليس اختلافًا عميقًا ذاتيًا. لا فضل للأبيض على الأسود، ولا للأسود على الأبيض، كلنا عباد الله، كلنا متساوون أمام الله. ديننا يعلمنا بأن جميع البشر، جميع العائلات، جميع المجتمعات، جميع الفِرَق، كلهم متساوون. فإذًا، لماذا نحن وضعنا ليس بمستوى وضع غيرنا؟ لماذا الفرد منا يتعب ويكدح، فَيُحْرم؟ لماذا مجتمعاتنا متخلفة؟ لماذا بلادنا متأخرة؟
هذه التساؤلات دائمًا موجودة، وربما تؤدي هذه التساؤلات إلى بعض الشك. ربما يدخل في ذهن بعض الأشخاص الذين يدرسون، وضع الشرق ووضع الغرب، يدخل في ذهنهم لعل الإسلام هو سبب تخلفنا؟ لعل التشيع هو موجب هذا الوضع الذي نعيش فيه؟ كلمة تقال، والسؤال يوجه!
يجب أن ندرس هذه الأمور، لعلنا نصل إلى النتيجة. نتيجة ولو كانت جزئية، ولو بدأنا بالخطوة الأولى، لعلنا نتعرف على الطريق، حتى إذا سلكنا هذا الطريق نبلغ النتائج. على ضوء ما قرأنا في سيرة الزهراء (س)، وعلى ضوء ما سوف نقرأ في سيرة الإمام، في هذه الفترة، نفكر: الزهراء! لماذا بلغت إلى درجة سيدة النساء؟ علي! لماذا أصبح في هذا المقام العظيم؟ هل كانت هناك اتكالية في حياتهم؟ فاطمة، هل كانت تقول أني لست بحاجة إلى عمل وسعي ووالدي سيد المرسلين وخاتم النبيين؟ هل كانت تقول أني لست بحاجة إلى عمل وجِدّ؟ ويكفيني ما يصلني من شأن أبي، ومن مقام أبي عند الله سبحانه وتعالى؟
لا! ما كانت تقول هكذا. بالعكس كانت تسمع وتطبق هذا المبدأ، المبدأ الذي اتخذته من كلام رسول الله (ص): يا فاطمة! اعملي لنفسك، فإني لا أغني عنك من الله شيئًا. مجرد استنادك وانتسابك إليّ لا يكفي. هل أنت تشك بأن فاطمة لو كان لها هوية، تذكرة نفوس -طبعًا في زمانهم ما كان هناك تذكرة نفوس- ولكن لو كان لها تذكرة نفوس، هل كانوا يكتبون على تذكرتها أنها: الشريفة فاطمة بنت رسول الله، سيدة أليس كذلك؟ مسلمة، شيعية؟ هل كانوا يكتبونها؟ كانوا ليكتبونها. هل كانت تكتفي بهذه الأسماء والانتسابات والألقاب؟ لا! كانت تقول: أنا مسؤولة عن نفسي، يجب أن أعمل حتى أبلغ الدرجات العالية من الكمال والفضل. وهكذا عملت، فبلغت ما بلغت من المقام العظيم.
نرجع لأنفسنا، نجد أننا بكل أسف، لا أحد غريب بيننا-مني وجرّ بإصلاح الإخوان في لبنان- نجد... نحن، مع كل أسف، اتكاليون. لا نريد أن نحمّل أنفسنا مشقة العمل. نريد أن نعتمد على الغير، على الآخرين في جميع الشؤون. تريد أن أحاسب نفسي وأحاسبك، وأضع النقاط على الحروف. حتى نرى كم هذه الحقيقة صادقة.
نبدأ من البيت الصغير والعائلة. لكل واحد منا بيت وحرمة وأولاد. كثيرون منا، وإن شاء الله نحن لا نكون منهم، يشكون ويتذمرون من فساد تربية أولادهم. كثيرون منا يقولون أولادنا (مش ملاح). صحتهم ليست جيدة. كلماتهم، تلفظهم، لسانهم غير سليم، تربيتهم ناقصة، دينهم ضعيف، صلاتهم قليلة، سعيهم، نشاطهم، تصرفاتهم مع أبيهم، مع أمهم غير جيد، موقفهم الاجتماعي، وعيهم الاجتماعي غير كامل.
كثيرون منا يتذمرون من وضع أولادهم. وهذه مشكلة كبرى لأنه نحن في الحقيقة نعيش قسمًا كبيرًا من تعبنا وجهدنا من أجل أولادنا أليس كذلك؟ وحينما نفكر بالسبب، الواحد منا يحمل امرأته المسؤولية، هي السبب يا سيدي هي لا تربي أولادها. هي لا تعلمهم، هي لا تحكي. هذه فئة.
فئة ثانية تقول السبب المدرسة، يا أخي المدارس اليوم ما فيها دين. صحيح! المدارس ما فيها دين، لا تعلمهم الدين؛ هذه فئة.
فئة ثالثة تقول يا أخي البيئة فاسدة، التيار قائد، العالم كله فساد ماذا أعمل أنا؟ لا أحد، إلا من عصمه الله، أمام هذه الأسئلة يضع سؤالًا صغيرًا بأنه طيب، امرأتي مسؤولة مقصرة، المدرسة مقصرة، المجتمع مقصر! ولكن حضرتي كيف؟ حضرتي مقصر أم لا ؟ ناقد لنفسه، لماذا؟
إن كثيرًا من المشاكل والصعوبات ناتجة عن تصرفاتي. أنا الذي (أسبّ) في البيت. أنا الذي (أعيط) في البيت. أنا الذي لا أصرف وقتًا في تربية أولادي. أنا الذي أفضل أن أقعد في المقهى أو بالسهرة أو بالشارع، ولا أقعد في بيتي قرب أولادي، بالسهرة أحكي معهم. أنا الذي أفضل الزيارات الباطلة وردّ الزيارات (الأبطل)، أفضلها على أولادي وعلى التحدث معهم. كثير منا هكذا. إن شاء الله نحن لسنا منهم ولكن أليس كذلك كثير منا؟
لكن لا أحد منا يفكر أن يوجه السؤال لنفسه بأنه ماذا عملت تجاه أولادي؟ وإذا وجهنا هذا السؤال رأينا الجواب سلبيًا، وتبنا إلى الله، وبدأنا نؤدي واجبنا تجاه أولادنا، هناك أربعة عوامل لفساد الأولاد والتي هي: الأب، والأم، والمدرسة، والبيئة، على الأقل عامل من هذه العوامل الأربعة يتهيأ.
ننتقل إلى الوضع الاجتماعي. تجد أن نحن نشكو من كثير من الأشياء، نقول: يا سيدي، جماعتنا مختلفة متفرقة، وإذا كُلِّفنا بإصلاح ذات البين نسعى لأننا طيبون. نذهب ونسعى بين الناس حتى نجعل الوئام بدلًا للخلاف.
ولكن! هل نحن، كل واحد منا، غير مختلف مع أحد؟ هل نحن إذا نُصِحْنا بالإصلاح مع أخينا وابن عمنا وجارنا وصديقنا، هل نحن نقبل النصيحة؟ أو لا نريد أن نفرض مصلحتنا، ورغبتنا، وإرادتنا على خصمنا، فإذا خضع حينئذ أنا أصل لحقي. أرى الحق معي، وأرى أن الحق والصواب هو وصولي إلى حقي. طيب. إذا كان هكذا! فخصمي نفس الشيء. الخصم أيضًا يعرف أن الحق معه والصواب وصوله إلى الحق. فإذًا، لا يلتقيان، لا نلتقي أبدًا. فماذا طلبنا من الآخرين؟ لماذا الصلح جيد للآخرين ليس جيدًا لنا؟ سؤال! لماذا لا نوجه هذا السؤال لأنفسنا؟
نقول بلدنا وسخ، شوارعنا وسخة، طيب. البلدية مقصرة، الحكومة مقصرة، كل هذا صحيح وأكثر من صحيح. ولكن هل أنت شخصيًا وأنا شخصيًا، هل نحن لا نساعد في توسيخ البلد؟ ألا نرمي الأوساخ في الشارع؟ إذا كان عندك سيجارة ألا ترميها في الشارع؟ ألا تبصق في الشارع؟ ألا ترمي الورقة في الشارع؟ أو ترميها؟ إذا رميتها فغيرك مثلك؟ هل أنت بدورك تريد تنظيف البلد؟ هل أنت تكلّف ابنك أو بنتك أو أنت تسعى لتنظيف القطعة التي مقابل بيتك أو لا؟ سؤال! لماذا التنظيف واجب على الآخرين غير واجب عليك أنت؟ نريد أن الآخرين يعملوا من أول الشوط إلى آخره.
نأتي إلى المشاكل العامة، نحن اليوم نعيش في حالة ضيم. لا شك، نحن العرب، نحن المسلمون، نحن الشرقيون سمّنا ما شئت نحن نعيش في حالة من الذل والهوان، لم تصل إليها أمة من الأمم.
لماذا لا نحارب؟ من يجب أن يحارب. الزعماء؟ العسكريون؟ القادة؟ الفدائيون؟ هل أولئك عليهم أن يحاربوا ونحن نقعد؟ ماذا قدمنا نحن تجاه هذا الواجب؟ ماذا علينا نحن؟ ماذا عملنا؟ ماذا دفعنا؟ ماذا سعينا ؟ كل واحد منا؟
نعم! نحن حسب الاصطلاح المعروف الذي صار معروفًا في حرب حزيران، نحارب بالترانزستور، الراديوات الصغيرة على آذاننا، أو في المقاهي أو في البيوت نسمع الأخبار، أخبار الحرب ونفتي من عند أنفسنا، والله أريد فلانًا أن يعمل كذا! فلان منيح! فلان خائن! فلان خادم... نصنف الناس خونة، ونحن رأس الخيانة، لأنه رأس الكسل والتنبلة، هذه ليست حياة. أنا ماذا عملت؟ أنا مطالب بأي شيء؟ في جميع الحقول هذا الشعور موجود. يجب أن يعمل الناس خيرًا، أما أنا لا. ويجب على الناس أن يساعدوا الفقراء، أنا لا. يجب على الناس أن يهتفوا، وأنا لا. يجب على الناس أن يحاربوا، أنا لا. يجب على الناس أن يربوا أولادهم، ينظفوا شوارعهم، يطالبوا بالمشاريع العامة، يحاسبوا الحكومة، يصوتوا للناس الطيبين، أنا لا. يجب على الناس أن لا يشهدوا زورًا، أنا لا. يجب على الناس أن لا يظلموا، أنا إذا ظلمت فلا بأس. هذا غير ممكن: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى*  وأن سعيه سوف يرى﴾ [النجم، 39-40]. كل واحد منا، كل شخص منا، ماذا يعمل؟ قدر ما يعمل له وجود، له حياة. وقدر ما يعمل عمله يُرى. ويظهر ولا يُنسى.
فإذًا، من دون أن نفلسف، لأنه الحمد لله كلنا نقدر أن نفلسف، ونعلق ونفسر، ونبحث وأنا أكثر منكم. من دون ما نحكي في هذه المسائل، نبدأ حالًا بأنفسنا، ما هو واجبي لإصلاح شأني؟ لإصلاح لبسي؟ لنظافة جسدي؟ لنظافة لساني من السب والغيبة والكذب؟ لنظافة قلبي من الحقد والكره والعداوة والتهمة؟ أبدأ من نفسي.
ما هو واجبي تجاه أولادي؟ نصف ساعة؟ ساعة؟ الساعة التي أتنزه فيها أو أجلس في المقهى وأروح زيارة، وأستقبل زوارًا، وكله باطل وهراء، بدلًا من كل هذه المسائل، أجلس قرب أولادي، يا حبيبي! يا أخي! يا ابني! يا ابنتي! أنا أكبر منك، تجربتي أكثر منك، هذا الطريق، هذا الخط، هذا جيد، هذا غير جيد، بلطف، برقّة، ساعة في النهار.
امرأتك غير جيدة؟ أية امرأة؟ ما لك أنت وامرأتك؟ إنها لا تُرى إلا وهي تخدم وتطبخ وتنفخ وتشتغل وتصرخ، وتتخاصم مع الأولاد، وآخر الشوط أنت غير راضٍ عنها؟ أية امرأة هذه؟ إنها امرأتك! هذه خادمتك!؟ هذه أمَتك!؟ متى اشتريتها أنت؟ بدلًا من كل هذا التحميل والثقل، قليلًا من التخفيف، قليلًا من الشكر، قليلًا من التقدير، قليلًا من الترحم والإنصاف. مقابل هذا، هي ليس لها حق أبدًا أن تنظر هنا وهنا! أما أنت لك حق أن تذهب أينما تريد؟ ما هو الفرق يا أخي؟ أنت تطلب من امرأتك أن تكون وصية عفيفة، وأنت لا تريد أن تكون وصيًا عفيفًا؟ لماذا؟ لأي سبب؟ أليس حرامًا عليك، ولكنه حرام عليها؟ أنه حرام على الجهتين. أنت ماذا تقدم؟ وماذا تفعل؟ هذا في الحقل الاجتماعي، وهكذا في كل شيء.
نأتي إلى الجامع، الله يسهل عليه أحد الشباب ذكرني نجد أن الجوامع غير منظمة، فيها فوضى، فيها حكي، فيها لغو. وهذا شيء مكروه في المسجد، منافٍ لشأن المسجد، منافٍ لاحترام المسجد. لكن بينك وبين الله، واحد يدخل، واحد يغلط، واحد يحكي كلمة، واحد يقترح اقتراحًا، فورًا كل واحد منا يريد أن يحكي كلمته. أنا عندما أحكي، وأنت تحكي وهو يحكي تحدث فوضى. ما الفوضى؟ الفوضى أن هناك واحد يسّب ويلعن، كلا لا أحد يسبّ ويلعن. الفوضى من أين تأتي، واحد يريد أن يدخل من هنا أو واحد يغلط غلطة، أو واحد يقول: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾ [الأحزاب، 56] قبل ما أنا أسلم. كل واحد يريد أن يعترض. عندما كل واحد يعترض تصبح فوضى. كل واحد يريد أن يكون تنظيم المسجد على عاتق الآخرين، وليس على عاتقه.
هناك فقراء في البلد، أنا أستعرض ألوف من الأمثلة، لكن غير متذكر لكل الأمثلة، ولا يمكن أن نتكلم في حقل واحد، هناك فقراء في البلد، في الضيعة، في المدينة هل الفقراء يجب أن يموتوا؟ أين هم الأغنياء، أين هي الجمعية؟ أين السيد موسى؟ أين فلان؟ أين فلان؟ حسنًا، وحضرتك؟ حضرتك يروح الجابي لعندك 50 مرة من أجل أن يحصل منك على ليرة واحدة. تقول له (روح وتعال بكرة، روح وتعال بكرة)، حتى تزهّق أي جابٍ. كل واحد يترك عمله ويروح يفل. فكيف يدفع الشخص؟ كيف يمكن لواحد منا أن يصبح مديونًا بأكثر من 50، و60 ألف ليرة، ويتدهور تحت الحياة وتحت أثقال الحياة والآخرون يتفرجون هكذا! لا يجوز هذا! على كل إنسان مكلف أن يؤدي واجبه، وبعدها يطالب.
وهكذا، الأمثلة الكثيرة الكثيرة، ننتقد الآخرين ونحن في النقد واقعون. وإذا عملنا، وإذا بدأنا من أنفسنا، وإذا سعينا أن نبدأ من أنفسنا، بالنسبة إلى شخصنا وبالنسبة إلى أولادنا، وبالنسبة إلى مجتمعنا، وبالنسبة إلى أمتنا، أتعرفون ماذا يصير؟ إذا أنا بدأت بنفسي، أولًا أكون أديت الواجب وثانيًا أصبحت مثلًا. من كثرة ما نصحنا وما عملنا لا أحد يرد. إلا يصير النهي عن المنكر تجاه الناس؟ كل واحد منا يقول الكذب قبيح، ولكن لماذا لا أحد يسمع؟ لأنه أنا أكذب. كل واحد منا يقول: يا جماعة! لا يجوز أن تكون البنات هكذا سافرات، حرام هذا، هذا لا يرضي الله، هذا يكسب سخط الله، هذا يزعج البلاد، هذا يخرب العائلات، هذا له مفاسد ليس لها من آخر وإذا تريد أن تعرف أكثر، شرف لعندي نصف ساعة وتسمع المشاكل العائلية. حسنًا أنا أقول كل هذا وفي نفس الوقت ابنتي سافرة؟ ماذا تريد أكثر من ذلك؟ هل من الممكن أن يستمع لي أحد بعد هذا؟ أكيد لا! ولكن إذا أنا طبقت هذه الأمور على نفسي قبل الآخرين، أصبح مثلًا لساني يصبح قويًا ومنطقيًا ومسيطرًا على الآخرين.
يقول رسول الله (ص) لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر الفاعلين به. لماذا؟ لأن هؤلاء يضيعون قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن هؤلاء يفسدون الناس. أنا عندما أراك متحمسًا لمصلحة عليا، وأنت في العمق غير هذه المصلحة، أقول أن كل من يطالب بمصلحة عامة، كل من يتحدث بالمصلحة العامة، يتاجر. اللفظ لا قيمة له. والنصيحة تسقط من الاعتبار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يقبلان لماذا؟ لأنه نحن أمتنا هذه الآلات التي كانت لإصلاح المجتمعات من كثرة ما قلنا وما عملنا. ربَّ تالٍ للقرآن، والقرآن يلعنه. الآمرون بالمعروف التاركون له، والناهون عن المنكر الفاعلون به، هذا ما نتيجته؟
نتيجته أنه لا القرآن له تأثيره، ولا الأمر بالمعروف له أثره، ولا النهي عن المنكر له أثر، ولا المصلحة ولا الموعظة، أبدًا.
أما إذا كنت عاملًا بما أعلم على الأقل، ليس فقط أقدم إنتاجي وسعيي وخيري وخدماتي للآخرين، وإنما أصبح نموذجًا. أنت إذا ابنك وجدك في أشد الحالات لا تسب، في أزعج الحالات تصلي، في أشد الحالات لا تخرج عن الاستقامة، موزون، لا تكذب، فابنك بطبيعة الحال يكبر على هذا الشيء، وينمو على الصلاح، وعلى التقوى من أول يوم. ثم يسري هذا على الآخرين. الخير مثل النور. جرب مرة يا أخي. جرب مرة تقعد في مجلس، الناس يلغون ويغتابون، يحكون على هذا وذاك، ويهزأون من هذا وذاك. أنت أسكت! حاول إمنع مرة ومرتين وثلاثة، تجد أن الآخرين أيضًا بالتدريج يرغبون إلى مثل هذا النوع من المواقف. على هذا الأساس، الإنسان الذي يؤدي دوره ويقوم بواجبه، ليس هو فقط يصلح نفسه، إنما يصلح الآخرين، وأيضًا يتعلمون منه.
وبعد ذلك كله، إذا صلحوا أو ما صلحوا، أنا (عايش) في هذه الدنيا، 20، 30 سنة على الأكثر بعد هذا اليوم ولكن كم أعيش في الخلود؟ في الجنة أو النار؟ كم أعيش في القبر؟ كم أعيش بين يدي الله؟ مئات وألوف السنين وأكثر! خلود. إذا سمع مني أحد أو ما سمع، ما هو أثره؟ لأعمل أنا! لأؤدي واجبي، أبني مستقبلي، خلودي، جنتي. أبتعد عن النار. سمعوا مني أو ما سمعوا. نحن عمرنا محدود، كم سنة! هل هناك أحد يضمن أنه غدًا سيكون حيًا؟ هل هناك أحد يشك بأن -حسب تعبير الإمام- كل لحظة، كل ساعة، كل دقيقة نحن نقترب إلى الموت خطوة؟
فإذًا، نحن سائرون في هذه الطريق، وسائرون وسينتهي، العمر ينتهي، فإذا عملنا الخير تكون لنا النتيجة، ويكون لنا النجاح، أمّنا الحياة الخالدة. أما إذا ما عملنا فخسرنا.
فإذًا، المشكلة مشكلة الاتكال على الآخرين نحن نتكل على الآخرين ولم نكتفِ بالاتكال على الآخرين، فتشنا ووجدنا روشاتات جديدة، الاتكال على الله، الاتكال على النبي، الاتكال على الإسلام، الاتكال على علي بن أبي طالب. ما دخلني بعلي بن أبي طالب أنا؟ أهناك شبه بيني وبينه؟ أبدًا! فإذًا، أنا عندما أكتب في الهوية شيعي كذاب. ما دخلي بمحمد بن عبد الله؟ محمد يقول لابنته: أنتِ إذا ما عملتِ لستِ ابنتي، لا أقدر أن أفيدك يوم القيامة. هل يقدر أن يفيدني أنا وأنت لأنه في هويتنا مكتوب مسلم؟ أبدًا! ما دخلي أنا بمحمد بن عبد الله؟ ما الشبه بيني وبين محمد بن عبد الله؟ أي شبه؟ بلفظي؟ بقولي؟ بمشيي؟ بسيرتي؟ بمعاملتي؟ بأدائي لواجبي؟ ما الشبه بيني وبينه؟ أي دخل بيني وبين الله؟ أنا المقبل عليه أمس، المعرض عنه. أنا أعرض عن الله! يطلبني فلا أجيب، يسألني فلا ألبيه، يمد يده إليّ فلا أرد. أبدًا.
ما الشبه بيني وبين الله؟ ما دخلي أنا مع الله؟ ما رابط الله معي؟ الاتكال على الله كما قلت، ليس معناه أني أترك وأقول الله يعمل! لا! الله لن يعمل. أنا أعمل والله يبارك، ويزيد، ويقبل ويوفق. هذه هي الصلة، إعمل واطلب، إعزم وتوكل: ﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ [آل عمران، 159]، كما يقول القرآن الكريم.
إخواني،
لا أخالف ما أقول، وأكتفي بهذه الكلمة، نصيحة في هذا الوقت المبارك، وفي هذه الساعة المباركة، لنفسي ولكم. كل مشكلاتنا تبدأ من عند أنفسنا، كل مشكلاتنا. نحن إذا عملنا، نحن إذا كنا صادقين في دعوتنا، صالحين في عملنا، في لساننا، في قلبنا، في سيرتنا. إذا نحن بدأنا من عند أنفسنا هذا هو الحل لكل المشاكل. هذه هي القاعدة لجميع النشاطات والأعمال، والتقدم في حقلنا الفردي والعائلي والاجتماعي والأممي جميعًا. هذا هو الدين، لماذا نريد أن نحكي هنا وهناك؟ نحن نعرف الكثير من الدين، نحن نعرف الكثير من الشؤون الإنسانية، نحن نعرف الكثير مما يرضي الله، نحن نعرف الكثير مما يغضب الله، ويزعج الناس. لنعمل! لماذا نطلب من الآخرين أن يعملوا؟ فلنبدأ بأنفسنا.
هذه كلمة عامة عابرة ومخلصة إن شاء الله. فإذا أردت يا أخي الوصول إلى أهدافك وحل مشاكلك، إبدأ بنفسك من دون ما تحكي، من دون ما تطلب من الآخرين. إبدأ واطلب. أمثلة كثيرة كثيرة، وأنت أخبر بها.
وفقنا الله جميعًا.
والسلام عليكم.

الخميس، 20 نوفمبر 2014

وجهات نظر..

إن الاختلاف في وجهات النظر، الاختلاف في التعاطي السياسي، لا يعني لزومية اشعال الحرب والعمل على أيقونة “إما أن تكون معي وإما ضدّي”، فهذا المفهوم غير سليم منطقياً، غير مقبول سياسياً، وأيضاً غير مقبول شرعياً، لم نفقه أن هذه الأيقونة أو الشعار موجود في الديانة الاسلامية ولا الديانة المسيحية، فالقرآن الكريم يُخاطب:”قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”(آل عمران/64)، هذه الآية تتحدّث عن علاقة المسلم بالمسيحي، فكيف بعلاقة المسلمين بين أنفسهم!؟

بدايةً، هذه الحياة ومفاصلها كثيرة، والناس الذين يختلفون، طبيعياً هذا، يؤدي إلى نتيجة وهي اختلاف الأفكار باختلاف عقول الأشخاص، باختلاف طريقة نظرتهم للأمور، لذا تكون هناك وجهة نظر لفلان، ووجهة نظر لآخر، وجهة نظر سياسية لحزب فلاني، وجهة نظر سياسية لحزب آخر مختلفة أيضاً، وأحياناً الاختلاف يسبب هوّة بين الأحزاب السياسية، وهذه وظيفة الأحزاب؛ الاختلاف والتنوّع والتغيير، فإن كانت الأحزاب ذات وجهة نظر واحدة، ويد واحدة، وأفكار واحدة، لماذا هناك أحزاب؟ فليكتفوا بحزب واحد.

إذاً طبيعة البشر يختلفون في وجهات نظرهم، ولكن الأهم والمهم، ماذا؟ المصلحة، أي ما مصلحة الاختلاف؟ إذا كان الاختلاف لمجرّد الاختلاف، فلا نريده، وإن كان الاختلاف لمصلحة الفرد الحزبي، فلا نريد هذه المصالح الضيقة، التي لا تسعفنا في رقيّ الوطن وازدهاره، ولو كان الاختلاف لمصلحة الوطن والمواطن، كل مواطن، هذا الاختلاف المرجوّ والذي نطمح له ونريده، الاختلاف الذي يبني والمواطن يحصد الخير منه، الاختلاف الذي نتيجته دولة راقية وحكومة صالحة، وشعب واعٍ، الاختلاف الذي يمزّق الدولة ويعطّل الخدمات الحكومية ويشتّت الشعب، مرفوض، لأن العقل يستقبح هذه الأفعال.

إذاً نحنُ بحاجة لنعرف جيّداً معنى الاختلاف وجدوى الاختلاف، أهمية الاختلاف، أنا لدي وجهة نظر في هذا الوضع الاقتصادي، مثلاً وجهة نظري اشتراكية، وأنت لديك وجهة نظر أخرى معاكسة تماماً، تتمنى نظاماً رأسمالياً، طيب من حقكَ وحقّي، لنتحاور حول الوضع الاقتصادي، ونقوم بدراسة تحليلة تطبيقية، نبحث في الأصلح للدولة، والامكانيات الموجودة ونبحث في الحلول جيداً، لأن مسؤوليتي تتعدى شخصي، تتعدّى منزلي، تتعدّى مصلحتي، تصل إلى كل منزل، كل مواطن، كل بقعة بأرض الوطن، حتى الميزانية العامة تتأثّر، فالدراسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، تحتاج متابعة من جميع الأطراف، جميعنا نتشارك الأفكار والمقترحات، ليكن فكرك أوسع من الحزب، من نظريتك الخاصة، تطلّع للأمام، للوطن.

أحياناً، تتعصّب لدراستك وترى أنها هي المثاليّة والأصلح للدولة، دراستك مبنيّة على أسس معيّنة، على سبيل المثال الأساس الذي قامت عليه الدراسة هي الديموقراطية، وأخذت مثلاً بلجيكا أنموذجاً، والدراسة تحدّثت عن شكل الدولة ونظامها ومؤسساتها وأيدولوجية عملها، ربّما غفلت في دراستك عن وضع الشعب، معتقدات الشعب، ثقافة الشعب، لأنك في هذه الحالة غفلت عن الأوضاع الاجتماعية وركّزت على الأوضاع السياسية، كذلك ربّما تناسيت الأمور التاريخية، كيف تكوّنت الدولة؟ وما هي المراحل التي مرّت بها؟ بعض الدول أُفرزت نظام من رحم حدث تاريخي معيّن، لا يمكن قيام نسخة لهذا النظام في دولة أخرى، لأن الأنظمة تمثّل أيديولوجية خاصّة بها، بتاريخها، بشعبها، بأرضها.

يجب علينا إذاً أن ننبذ التعصّب المبني على الأهواء والرغبات الشخصية والفئويّة، ونتطلّع إلى التقارب والتحاور قدر الاستطاعة، لنحفظ كرامتنا، لنحفظ دماؤنا، لنحفظ بلادنا من الفتن والأزمات، المرونة مهمّة سياسياً، فالسياسي الناجح هو المرِن المُنفتح على الطرف الآخر، أو الأطراف الأخرى، دائماً الشركات التجارية الكُبرى فيها أكثر من شريك، لأن العقول إذا اتحدّت صنعت الخير، صنعت الفائدة، فما نتمنّاه من السياسيين أن يصنعوا الخير، أن يصنعوا السلام، وأن يصنعوا الأمن والأمان.

قال الشاعر:
“يا بلدي الأجملَ يا بلدي // يـرعــاك اللهُ إلـى الأبـدِ
سأصونك في يومي وغدي// كي تبقى حرّاً يا بلدي

الأحد، 8 يونيو 2014

الايديولوجية لـ الامام موسى الصدر

من كتاب : أبحاث في الاقتصاد
اصدار : حزيران 2007
مركز الامام موسى الصدر للأبحاث والدراسات




الدين إيديولوجية، وبما أنّ لكل إيديولوجية منطقاً خاصاً تفسّر به التاريخ والحوادث، فإن البعض يضع التفصيل المادي للتاريخ، والبعض الآخر يعتبر الدين والقومية محرّكاً للشعوب. فما هو المنطق الإسلامي الذي يفسّر الحوادث التاريخية؟
هنا ينبغي أن أوضح نقطة أساسية، وهي أنّ كلمة إيديولوجية نحاول أن نستعين بها، لأنها أصبحت واضحة الآن، لإلقاء الضوء على الفكر الإسلامي، ولوضع العقيدة والتقاطع الإسلاميين في موضعهما الطبيعي من التفكير.

كما نعلم في قضية الاقتصاد، فنحن عندما نقول الاقتصاد الإسلامي علينا أن نعرف أنّه ليس في الإسلام فصلاً باسم علم الاقتصاد، لا في القرآن، ولا في كتب السنّة، ولا في سيرة الأئمة أو سيرة مَن بعدهم من العلماء. وفي كتب العلوم الإسلامية لا نجد علماً باسم علم الاقتصاد، لكن إذا درسنا الأحكام الإسلامية في العلاقات المالية بين المسلمين بعضهم مع بعضهم وبينهم وبين غيرهم من المسلمين، إذا درسنا أسلوب الإسلام في الإنتاج والإستهلاك، نكتشف مذهباً اقتصادياً، ونتأكد من أنّ الأحكام الإسلامية لم تأتِ صدفة ولا عفواً، بل جاءت مركّزة على قواعد اقتصادية معيّنة، وهذا يسمى بالمصطلح الحديث "المذهب الاقتصادي" لا علم الاقتصاد، لأنّ علم الاقتصاد علم حديث وُضعت له الأسس مؤخراً.

إذاً، عندما نقول "الاقتصاد الإسلامي" نقصد المذهب الاقتصادي في الإسلام، أي أنّ كل باحث عندما يقرأ الأحكام الاقتصادية، مثلاً: الميراث، وكيفية الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة، كيفية الغنائم والأرباح، كيفية الإقطاع (أي اقتطاع الأراضي)، كيفية ملكية الأراضي- ملك خاص، أراضٍ مفتوحة عنوة ملك المسلمين جميعاً، أراضٍ ملك الدولة أو ما يسمى بـ"الأنفال"... عندما يقرأ الباحث هذه الأحكام، من هنا وهناك، يكتشف مذهباً إقتصادياً في الإسلام.
والأمر في الإيديولوجية مشابه لما نقوله في الاقتصاد. ففي الإسلام لم يرد فصل باسم الإيديولوجية، بل لم يرد فصل في الإسلام باسم العقيدة، لأنّ الإسلام دين واحد، دعا رسول الله الأمة بالطريقة المعروفة في مكة أو الأحكام كان يقول: "قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا".
طبعاً "قولوا" لا تعني فعل القول فحسب، وإنما التزموا.
و"لا إله إلاّ الله" لا تعني فقط في الأصنام بل الآلهة الأرضية بكل معنى الكلمة، بشكل لا يمكن أن نقول إنّ الإسلام فصّل فصولاً وأبواباً، وجعل فصلاً خاصاً باسم الإيدلولوجية، بل من خلال الأحكام الإسلامية يكتشف الباحث إيديولوجية إسلامية.

وهكذا سنصل إلى المنطق الذي يفسّر الإسلام به التاريخ، وهذا شأن بقية المدارس الفكرية.
مثلاً، من أهم وأشهر المدارس الفكرية المعاصرة المدرسة الماركسية. والماركسية فكرة مستندة إلى "ماركس". فمن كان "ماركس"، وماذا يكون؟
فكرة اقتصادية أولاً تبنّاها "ماركس" كعالم اقتصادي لا كقائد ولا كزعيم، فهو كعالم يدرس الاقتصاد ويكتشف التطورات الاجتماعية وارتباطها بالتطورات الاقتصادية، ثم كناظر متفرج على شرفة التاريخ (مبني في مؤلفات "ماركس" الأولية) يقول إنّ التطورات الاجتماعية النابعة عن التطورات الاقتصادية تتحول وتتغير وتبشّر بالمستقبل المعيّن.
فما هو دور "ماركس"؟ لا شيء سوى الاستنباط.
الرأسمالية في رأي "ماركس" تنمّي في أعماقها وأحشائها بذور الانفجار، وتنفجر ربما دون تحرك ماركسي. تحوّل "ماركس" من عالم اجتماعي إلى زعيم سياسي، أي حاول أن يساهم في تفجير الرأسمالية بالدعوة إلى الثورة وبشعار التغيير. ففي المرحلة الأولى كعالم وفي المرحلة الثانية كزعيم.

كان دور "ماركس" في الإقتصاد، اقتصاداً معيّناً ذلك الذي يسمّيه بالشيوعية. بعد ذلك يحاول "ماركس" أن يركّز هذه المدرسة الاقتصادية على أسس فلسفية ففتش عن فلسفته هنا وهناك، فاعتمد المدرسة الفكرية المشهورة بـ"المادية"، وهي ليست من أفكار "ماركس" ولا من اختصاصاته، إنما كعالم اقتصادي اجتماعي اعتمد المادية كفلسفة تلائم اقتصاد "ماركس" المادي.
الفلسفة المادية قديمة جداً، من اليونان ولها تطورات كثيرة: المادية الفلسفية، المادية الخيالية، المادية العلمية، وهي ليست لـ"ماركس" وإنما اعتمدها "ماركس" لملاءمتها اقتصاده، ولأنه فكّر أنّ رجال الدين في أوروبا هم الذين يحمون الاقطاع ويحمون الرأسمالية لذلك قلع جذورهم من الأساس. وهذا الأسلوب المادي في الفلسفة منسجم مع طبيعة اقتصاد "ماركس". ثم انه افتعل منطق الديالكتيك، وهو ليس منطقاً ماركسياً وإنما أُسس أيام سقراط ثم تطور في العصور المختلفة. ولتنتقل الماركسية بعد ذلك من مرحلة العلم إلى مرحلة الزعامة، فتساهم في تفجير المجتمع المعاصر لـ"ماركس"، فاعتمدت نظرية باسم "المادية التاريخية"، والتي ليست جديدة أيضاً. وإنما الربط بين هذه النظرية الفلسفية المادية، واستعمال المنطق الديالكتيكي، واعتماد المادية التاريخية بتفكير "ماركس"، تحولت إلى وحدة فعالة من خلالها يعطي "ماركس" تفاصيل وآراء وأبحاثاً وموقفاً لكل شيء، والسبب واضح، فعندما يريد "ماركس" أن يدعو العمال إلى حركة يضع أمامهم تفسيراً تاريخياً ليقول لهم إنّ التاريخ كله يتحول إلى أسباب إقتصادية وأنتم المحوّلون للتاريخ، فأراد أن يعرض للناس صورة عن التاريخ، ذلك الذي يسمّيه "المادية التاريخية"، تمهيداً لتحركه من الوضع العلمي المحض إلى الوضع السياسي الذي وصل إليه "ماركس" في أواخر حياته.

إذاً، هذه المدرسة المشهورة تستعين أيضاً بالمنطق الديالكتيكي وبالفلسفة المادية والمدرسة المادية التاريخية. تستعين من هنا وهناك وليست منبثقة من أصل المدرسة الفكرية. إذاً، نستطيع أن نستنتج حتى الآن:
1- لا نكتشف من الإسلام إقتصاداً أو إيديولوجية معيّنة.
2- المدارس الفكرية تستعين بالفلسفة من هنا وهناك لتأخذ ما ينسجم مع أهدافها وأفكارها.
بعد هاتين المقدمتين ندخل في حديثنا المعيّن.

ما هي نظرية الإسلام في التطور التاريخي؟
هنـا، كالاقتصاد، علينا أن نقول مذهباً وليس علماً، لأنه لا يوجد تفسير معيّن للتاريخ في القرآن أو السيرة. علينا أن نكتشف من خلال توجيهات وتعليمات الإسلام في مختلف الشؤون، الرأي الإسلامي في هذا الموضوع.
يوجز رسول الله (ص) الفكرة التحولية للتاريخ بالكلمة التالية: "قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا". هنا علينا أن نعيد النظر في كثير من الأشياء ونفكر بها، تفلحوا أي تصبحوا مفلحين. أنتم لستم في حالة تحسدون عليها. المجتمع المكي أو المجتمع العربي من ورائه لم يكن في حالة طيبة، كانت الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الظروف الخلقية والظروف المالية والنفسية والعقائدية كلها بصورة غير مرضية حتى سمّي المجتمع آنذاك بـ"المجتمع الجاهلي".
يقول لهم: "قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا" يعني تحوّل المجتمع من الوضع الذي كان موجوداً إلى مجتمع آخر يسعد فيه الفرد وتسعد فيه الجماعة يحتاج إلى موقف الالتزام بالله الواحد.
معنى الجملة يحتاج إلى بحث طويل حول نفي الآلهة الأرضية أو ما نسمّيه اليوم بالأصنام، تحطيم أصنام المال، أصنام السياسة، أصنام الجاه أو ما نسمّيه بالإقطاع. المصطلح الديني لهذه الأمور والدعوة إلى وحدة الناس معتمدة على أساس الإيمان بالله الواحد. هنا يبدو أنّ طريقة تطوير المجتمع المكي إلى مجتمع سعيد إنما يكون بالعقيدة وليس بالإقتصاد وحسب.
إنطلاقاً من هذه النقطة، نقول بأنّ سبب التطور في المجتمعات، كما تقول المادية التاريخية، أن تكون الظروف الاجتماعية المحيطة بالمجتمعات مبالغة في تأثير الاقتصاد. لا شك أنّ الوضع الاقتصادي يلعب دوراً كبيراً في حياة الإنسان، لكن أن نقول إنّ الوضع الاقتصادي هو كل شيء في حياة الإنسان مبالغة في الأمر.
الإنسان يتأثر بالعامل الاقتصادي دون شك، لكن العامل الاقتصادي ليس هو جميع المؤثرات. هناك مؤثرات أخرى في حياة الإنسان، ولذلك ترى إنساناً في طبقة اقتصادية واحدة مع إنسان آخر ولكن يختلف معه في التفكير.
ونحن شاهدنا في الأنظمة الاقتصادية الحديثة أمثلة كثيرة، فوجدنا في أبناء الثورة السوفياتية تفاوتاً كبيراً، لا في قادة الثورة فحسب لأنهم أبناء ما قبل الثورة، لكن حتى في أبناء الثورة وجدنا خلافات عقائدية ضخمة أدت إلى التصفيات والقتل والسجن والإبعاد، كما حصل مع الثورة الفرنسية أو أي ثورة أخرى..
فلو كانت الطبقية، أو وحدة الطبقة، هي التي تكوّن الفكر الموحد، وبالتالي تنفي الصراع الطبقي في التاريخ، لما حصل ذلك. تاريخهم مليء، بالأمس كان "ستالين" و"فيريام" و"ماريكوف"، وكانت مؤثرات أخرى وشخصيات أخرى..

والعكس أيضاً هو الصحيح، فالإنسان يوجد في الطبقات الاقتصادية المتفاوتة تشابهاً في التفكير. "روبرت أوين" البريطاني، الذي يسمى بـ"أبو الاشتراكية في العالم"، كان رأسمالياً يملك الكثير من أسهم المصانع، وهو الذي وضع قوانين لتحديد ساعات العمل، ولمنع الأطفال من العمل، ولإعطاء بعض الحقوق للعمال، وهو رجل ليس من أبناء الطبقة البروليتارية.
إذاً، ليس الفكر الاقتصادي وحده يكوّن الفكر والإيديولوجية والمصطلح وخط السلوك الخ.. بل هناك عوامل عديدة، لا شك أنّ الإنسان وليد بيئته، فالمؤثر في العامل الإقتصادي تؤثر فيه عوامل أخرى، ومن جملة العوامل الأخرى درجة الحرارة والرطوبة والقرب من البحر والبعد عنه، والعوامل العائلية.
ونحن لا يمكننا أن نتجاهل عامل الوراثة والدعوات الروحية، ونحن لا يمكننا أن نقول إنّ النبي محمداً (ص) لم يؤثر في تاريخ العالم، ومهما حاولنا أن نعطي تفسيراً مادياً لمحمد ولحركته نكون قد بالغنا وتصرفنا في التاريخ حسب ذوقنا ورغبتنا، ذلك أنّ حركته لم تكن حركة اقتصادية محضة وإنما كانت حركة روحية تؤثر في خلق الاقتصاد المكي والمديني.
لا يمكننا أن نفسر جميع العوامل المؤثرة في حركة التاريخ في عامل اقتصادي محض، بل هناك عوامل أخرى ترجع لطموح الإنسان ولأهدافه وللرغبات السامية لدى الإنسان أثرت في تكوين المجتمعات من هنا وهناك.
وهكذا بالنسبة للمنطق، نحن نعرف المنطق الديالكتيكي و المنطق القديم أو ما نسمّيه بـ"منطق أرسطو".

علماء المسلمين استعملوا هذا المنطق أو ذاك كأسلوب للتفكير ورأي في المنطق، بإمكانكم أن تستندوا الى هذا المنطق أو ذاك، إذا اقتنعتم بهذا أو ذاك، في ذهنية التفكير.
من باب المثل: من أسس المنطق الديالكتيكي أصل التضاد.. وله وجود فعلي يسمّى بالكسر، وهذا الوجود، أو هذه الظاهرة، تنمو خلالها عكسها وضدها، وذلك نسمّيه اليوم بـ Antithèse، ينمو Antithèse على حساب Thèse..
تدرجياً يقضي Antithèse على Thèse. كذلك Antithèse من خلال الصراع انتصر وتغيّر وجرّب. مما يؤدي أنّ الحكم في المستقبل ليس Antithèse لأنه متطور نسمّيه بـ Synthèse فيحكم هذا في المستقبل مع التغيرات التي جعلت من These على Antithèse.
هذا أحد المبادئ الأربعة للمنطق الديالكتيكي: أصل التضاد.
نرجع إلى الفلسفة الإسلامية. عندما نقول: الفلسفة الإسلامية نقصد فلسفة المسلمين لا الفلسفة الإسلامية أو الإيديولوجية الإسلامية، إنما علماء المسلمين قالوا: آراء المسلمين على ضوء الإسلام.
في الفلسفة الإسلامية مبدأ باسم أنّ كل موجود مادي مؤلف من صورة ومن مادة، أو بتعبير آخر من هيولى وصورة.
الصورة هي الحالة الفعلية لشيء تماماً مثل Thèse فكل شيء يحمل حالة استعداد للصيرورة، هذا التمكن والإمكانيات في ذات الشيء يسمى بالقوة أو بالهيولى. والموجود في حركة دائمة بين الصورة والمادة. فمع كل مرحلة تتحول الصورة الى المادة فتصبح الصورة مادة ثانية تعمل مادة أخرى وتتحول بطريق التطور كما يقول صدر الدين الشيرازي، وبطريق الخلع واللبس كما يقول ابن سينا.

مثلاً البذرة، حبة القمح، هي جامدة لا تتحرك شيئيتها أو صورتها بأنها قمح أو These ، ولكن حبة القمح تصلح لأن تتحول الى سنبلة، ولكن حتى تتحول الى سنبلة تحتاج الى شروط مناسبة. إذاً، حبة القمح لها شيئية أخرى غير أنها حبة القمح. الشيء الثاني يسمى مادة بالهيولى، فتحول الحبة الى سنبلة يسمى بالقوة.
الإنفصال الذي قاله فلاسفتنا هو نفسه الذي قاله الديالكتيكيون إنما بشكل آخر وهكذا..
إذاً، مبادئ الديالكتيك بشكل آخر تجد في سبيل الفلسفة أو المنطق المستعمل سابقاً. وبإمكان الفكر الإسلامي أن يختار منطقاً من هنا وهناك، وانتخاب الفكر الإسلامي بخضوعه لمنطق أرسطو أو بخضوعه لفلسفة Idéalisme تجنٍ. بإمكان الفلسفة الإسلامية أن تعتمد منطق أرسطو وبإمكانها أن تعتمد منطق الديالكتيك.
إذاً، الإسلام مبدئياً في موقفه وتفسيره للتاريخ لا يقبل أنّ الإقتصاد هو المحرك الوحيد بل يقول إنّ هناك عوامل كثيرة تحيط بالإنسان وبالحكام وبالشعب وتؤثر في تطوير الدولة.
وعلى صعيد المنطق، ليس المنطق الإسلامي هو منطق أرسطو، بل استُعمل منطق أرسطو من قِبل بعض العلماء المسلمين، كما استُعمل المنطق الجدلي بأصوله المتنوعة من قِبل علماء مسلمين آخرين.

السبت، 7 يونيو 2014

جورج سورس يهاجم دون دبابات


مقدمة
"أعطني حق إصدار النقود في الدولة ولا يهمني بعدها ماذا يكتب في قوانينها ولا من يكتبها”
ماير روتشيلد 1793

"لا توجد طريقة أكثر فعالية وضماناً للسيطرة على الأمة أكثر من الإقراض”
ميل بينسون 1839

انها أسلحة شايلوك المعهودة : المال والربا.

المقال عرض لبعض تقانات الحروب المالية التي تخوضها نخبة العولمة ضد الدول.

1- طرق صامتة ولكنها مدمرة.
بموجب حسابات قام بها الأكاديمي الروسي د.س. لفوف فإن الحرب المالية على الاتحاد السوفيتي السابق خلال 3-4 سنوات من مرحلة ما يعرف بالبريسترويكا سببت خسائر للبنية الاقتصادية والعسكرية والعلمية تقدر بثلاثة آلاف وخمسمائة مليار دولار (3.5 تريليون دولار)، في الوقت الذي لم تتجاوز خسائر الاتحاد السوفييتي في سنوات الحرب العالمية الثانية 375 مليون دولار!
منذ القدم وقوة النقود تُستخدم لإخضاع الشعوب في الحروب حيث كانت تصك النقود المزيفة لإضعاف قيمة نقود العدو وفقدان الثقة بالسلطة ومع ظهور المطابع والنقود الورقية تضاعفت قوة هذه الحروب المالية وقد استخدمها نابليون في حروبه وألمانيا في الحربين العالميتين.

2- الاحتياطي الفدرالي الأميركي.
للتذكير فقط ليس لدى أمريكا بنك مركزي حكومي وما يُدعى بالاحتياطي الفدرالي الأميركي وإن أوحت "الفدرالي" بأنه حكومي إلا أن واقع الأمر ما هو إلا تجمعاً لـ 12 بنكاً خاصاً يملك كل منها منذ عام 1913 الحق بإصدار الدولار وتحديد سعر الفائدة ة وكميته في الأسواق وتقديم القروض للدولة الأمريكية (أعد قراءة المقدمة من فضلك) دون الحاجة لموافقة رئيس الدولة أو أية سلطة أخرى !.
وحتى تكون الصورة أدق نورد أسماء أصحاب هذه البنوك الخاصة:
آل رو كفلير، وآل مورغان وروتشيلد، وآل ساكس، وغولد مان، ووار بورغ (من آل أوبنهايم ذات الغنى الأسطوري) وليب وكون، ولا حاجة للدلالة على هويتهم !.
لعب رجال المال هؤلاء دوراً حاسماً في الحروب المالية الحديثة حيث أخضعوا أمريكا من خلال الاحتياطي الفدرالي الأمريكي ومن ثم باقي الدول بعد اعتماد الدولار كنقد رئيسي للحسابات الدولية ولتغطية احتياطاتها من نقدها الوطني بعد اتفاقية بريتون وودز الشهيرة بعد الحرب العالمية الثانية !.

3- الحروب المالية بقيادة جورج سورس.
يُعتبر إحداث الأزمات الاقتصادية الخطوة التكتيكية الأساسية في الحروب المالية فالأزمة ليست مأساة لا مفر منها وليست قدرا يحل على المجتمعات وإنما حدث مُفتعل جيد التخطيط من قبل جهة منظمة تهدف إلى فرض السيطرة على الاقتصاد وإخضاع الدولة بحسب رأي الكثير من الاقتصاديين بما فيهم ملتون فريدمان الحاصل على جائزة نوبل حيث أكد أن أزمة القرن العشرين الكبرى في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات كان بفعل وتنظيم الاحتياطي الفدرالي الأمريكي !.
وكانت نتائج هذه الأزمة استقطاب مجمل ذهب البنوك ليصب في الاحتياطي الفدرالي الأميركي وفرض سيطرة البنوك الخاصة المُشكلة للاحتياطي الفدرالي على الجزء الأكبر من الصناعة الأمريكية.
جورج سورس رجل المضاربات الشهير في البورصات العالمية، قاد عدة حروب ضد دول بكاملها.
ففي الأزمة المالية المُفتعلة في بريطانيا عام 1992 من قبله وبدعم من الاحتياطي الفدرالي استطاع بمبلغ لا يتجاوز عشرة مليارات دولار أن يتلاعب بأسعار صرف الجنيه الانكليزي محققاً ربحاً قدره مليار دولار في يوم واحد. ومسبباً في انخفاض قيمة عملات ما يقارب 12 دولة أوروبية وتأخير اعتماد اليورو كنقد موحد في أوروبا لمدة ست سنوات. والأكثر أهمية كان في تمكين رجال المال الأمريكيين من شراء أسهم الشركات الأوروبية التي انخفضت قيمتها على أثر ذلك بشكل حاد وبهذا ساهم في ازدياد التأثير الكبير لأمريكا على الاقتصاد الأوروبي!.
عام 1995 عندما فكرت المكسيك ببناء قناة تصل المحيطين الأطلسي والهادي لتصبح منافسة لقناة بناما الخاضعة لسيطرة الأمريكيين. حرض جورج سورس أزمة مالية في المكسيك أدت إلى انهيار أسهم الشركات فيها وتراجع اقتصادها وعزوفها عن المشروع .
وبنفس العام ضرب سورس الاقتصاد الياباني الذي بفضل الوضع المتين لعملتها الوطنية الين كان من الممكن أن تتحول إلى مركز مالي عالمي وإلى دولة تصك عملتها وتقدم قروضاً بالين لدول جنوب شرق آسيا مهيأة الظروف لنمو اقتصادي كبير لجميع دول المنطقة.
لاحقاً قام سورس وبدعم من بنوك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي بتدمير النظام المالي لدول النمور الآسيوية: كوريا الجنوبية وأندونيسيا وتايوان وتايلاند وماليزيا وهونغ كونغ. وحدد لهذه النمور أين مكانهم في القفص ! وأجبرهم على ربط اقتصادهم بالدولار. وقامت الشركات الأمريكية الكبيرة IBM وانتيل وموتورولا وكومباك وبيل وهيولت باكارد بشراء الجزء الأكبر من أسهم الشركات الالكترونية المتطورة لهذه الدول وكذلك شراء أسهم شركاتها المعروضة في البورصة بالسعر المنخفض دون أسعارها الحقيقية.

4- أفضل عمل ارتجالي هو المحضر مسبقاً!.
إن توفر المليارات لدى سورس لا يعني أنه قادر على تنظيم أزمة مالية بل يتطلب الأمر أعمالاً تحضيرية كبيرة جداً قبل الأزمة ويكمن جزءٌ من هذه الأعمال في تشكيل قناعة لدى رجال أسواق المال عن حتمية نشوء أزمة ما. وبعد ذلك وحتى بمبلغ ليس كبير نسبياً من مرتبة عدة مليارات من الدولارات كافٍ لتحريض هلع في الأسواق المالية وفقدان قيمة العملات وأسهم الشركات الأساسية في البلد أو المنطقة بكاملها. لتأتي بعدها عملية افتراس هذه الأسهم من اللاعبين الكبار أصحاب البنوك وإخضاع الشركات واقتصاد البلد لسيادتهم.
بمراقبة وتحليل تصريحات جورج سورس الأخيرة ومقالاته في وسائل الإعلان المهيمن عليها وكذلك تصرف المؤسسات الأخرى الممولة من (صندوق سورس) ليس من الصعب معرفة الضحية القادمة للحرب المالية – إنها أوروبا.
فمنذ عام 2012 ازدادت الأخبار حول خطر انهيار منطقة اليورو وبدأ الحديث في اليونان الدولة الأكثر تضرراً من الأزمة عن إمكانية رفض العملة الموحدة – اليورو- الشيء الذي يُضعف دون شك اليورو بشكل كبير. وفي نهاية العام الماضي اتهم سورس ألمانيا بأنها السبب الأساسي لحالة الأزمة الناشئة وليس سراً أن سورس بالذات من يُمول ويتعهد حزب المعارضة اليونانية الرئيسي والذي يناهض بقوة الضغط الألماني للحفاظ على اليورو كنقد أوروبي موحد.
إلى جانب هذا "الحقن النفسي" حول الانهيار الحتمي لليورو ينفذ عمل تحضيري كبير آخر ففي الأشهر الأخيرة زادت أمريكا من ضغطها بشكل كبير لإحداث منطقة تجارة حرة مع أوروبا بهدف رفع – وبشكل نهائي- الحواجز المتبقية على طريق تغلغل الرأسمالي الأمريكي في أوروبا. وكالعادة وبعد الانهيار المُدبر لليورو سيتم شراء أسهم الشركات الأوربية الأكثر جذباً من خلال الدولار المرتفع الثمن وذلك تحت غطاء إنقاذ الاقتصاد الأوروبي!. وستجهض أية محاولات للدول الأوروبية بإعادة تصنيعها وزيادة تأثيرها في العالم!.

الخاتمة:
حتى تصك دولة ما كمية من عملتها الوطنية يجب أن تملك مقابلها احتياطي من الدولارات المُشتراة من السوق العالمية، وللمثال كي تطبع روسيا - بشكل تقريبي - 30 مليار روبل روسي يجب أن يتوفر لديها نتيجة بيعها للنفط ولمواد أخرى عشرة مليارات من الدولارات في احتياطها بالبنك المركزي الروسي كتغطية لعملتها أي أن روسيا وغيرها من الدول تغطي أو أدق تشتري عملتها الوطنية بالدولار!.
وطوال أن الدولار هو العملة الاحتياطية الأساسية في العالم ستبقى عملية نهب ثروات الشعوب مستمرة ولهذا فإن العمل جارٍ على التحرر من هذه التبعية بشكل حثيث بالسعي لاعتماد الين واليوان للتبادلات التجارية وتقديم القروض في دول شرق وجنوب شرق آسيا. والروبل في دول الاتحاد السوفييتي السابق ودول أخرى ولعل هذا أحد أسباب الهيجان الأمريكي في العالم.


المراجع :
"Конец света"... Финал Большой геополитической игры Алексей
Доллар и мировое финуправление / 2 - http://anvictory.org

3 - www.fondsk.ru Завоевать... Не сделав ни выстрела Александр Горохов


وكالة أوقات الشام الإخبارية
خاص
د.م. فهد أندراوس سعد

الاثنين، 26 مايو 2014

الاختصاص القضائي العالمي وغياب المحاسبة (1)

الاختصاص القضائي العالمي وغياب المحاسبة (1)
الاختصاص القضائي العالمي واستعماله الميداني هما محطا جدل كثيف في بداية هذه الألفية، فانطلاقا منه رفعت الشكاوى ضد بينوشيه وشارون وحسن حبري وغيرهم، مما تطلب إعادة نظر على عدة أصعدة. سنتفحص هذا المفهوم بالنظر لعلاقته بحماية حقوق الإنسان الأساسية كوسيلة لمكافحة غياب المحاسبة.
ممارسة واحتمالية الإفلات من العقاب يشجعان على انتهاك حقوق الإنسان، خاصة عندما تحمي الدول ذلك، إن بالامتناع عن الملاحقة أو بأي شكل كان بما فيه الإجراءات التشريعية الداخلية كصدور عفو على سبيل المثال.
من البديهي أن متابعة المجرمين وشركائهم لتحمل مسؤولية أعمالهم هو واجب الدولة كي يسترد الضحايا كرامتهم عبر الاعتراف بآلامهم. فمنذ الحرب العالمية الثانية يتزايد الاهتمام بمكافحة الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان الأساسية والتي تعد جرائم دولية. فميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين وإعلان وبرنامج عمل مؤتمر فيينا (خاصة الجزء الثاني منه، فقرة 91)، والقرار 68|2000 الصادر بتاريخ 26 نيسان/أبريل 2000 للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والمتعلقة بغياب المحاسبة، تشير كلها لأهمية مكافحة الإفلات من العقاب.
مبدأ الاختصاص القضائي العالمي هو وسيلة تهدف لمكافحة غياب محاسبة المجرمين يمكن أن يلجأ لها قاضي أي بلد. ويمكن تعريفه على أنه مبدأ يعطي لأي جهاز قضائي وطني صلاحية محاكمة ومعاقبة من يرتكب جريمة من الجرائم التي لا يقبلها الضمير الإنساني، بغض النظر عن مكان ارتكابها وجنسية فاعلها أو ضحيتها.
سوف نركَز فيما يلي، بعد ملاحظات الأولية (1) على أصول مبدأ الاختصاص القضائي العالمي (2) وأهميته في مكافحة الإفلات من العقاب (3) ثم مدى وشروط استعماله (4) لنتطرق بعد ذلك لمعوقات استعماله الفعلي (5) قبل الوصول للخلاصة (6).

1.    ملاحظات أولية
.1.1  الاختصاص القضائي العالمي والاختصاص القضائي التقليدي
يحدد عادة الاختصاص القضائي العادي تجاه الجريمة بمعيار السيادة الوطنية، أي السيادة الترابية والبحرية والجوية للدولة, كذلك بمعيار الجنسية، عندما ترتكب الجريمة خارج الدولة، لكون المتهم أحد رعاياها (اختصاص شخصي إيجابي) أو المجني عليه (اختصاص شخصي سلبي). هناك شواذ على القاعدة في حالة الجرائم الكبرى التي تخضع حينها لمبدأ الاختصاص القضائي العالمي رغم غياب عناصر التبعية الوطنية المادية منها والشخصية. على هذا الأساس يمكن للقاضي المحلي أن ينظر في الجرائم المقترفة في الخارج من قبل أو ضد من هم من غير مواطنيه.
.2.1  تعدد القضاة المختصين
من نتائج مبدأ الاختصاص القضائي العالمي تعدد القضاة أو الأجهزة القضائية الوطنية التي يمكن لها أن تحاكم الجاني على أساس نفس الجريمة. بحيث يصبح الجاني موضوعا للقانون الدولي ويمكن أن يلاحق ويحاكم ويحكم عليه أمام هيئات قضائية متعددة. فاختصاص عدة قضاة محليين له ما يبرره عندما يتعرض المرء لجريمة كبرى تصدم الضمير الإنساني. أما خطر تعدٌد الاختصاص القضائي فيتم تجنبه باحترام مبدأ عدم المحاكمة أكثر من مرة على نفس الفعل (أي ne bis in idem) أخذا بعين الاعتبار للأحكام الصادرة على الجاني في بلد أجنبي. إن قاعدة "قاضي المجرم أو سلٌمه لمن يقاضيه" (أي:aut dedere aut punire) تتجنب هذا الإشكال أيضا عندما تفرض على الدول تسليم الجاني عندما لا تحاكمه.
.3.1 الاختصاص القضائي العالمي والاختصاص القضائي الاستثنائي
لم تكن المتابعات القضائية في العديد من الدول (مثل الدانمرك و فرنسا و بلجيكا وألمانيا, الخ) ضد المشتبه بهم لارتكابهم جرائم عالمية في جمهورية يوغسلافيا السابقة أو رواندا مؤسسة على مبدأ الاختصاص القضائي العالمي، بل أجريت المتابعات بموجب قوانين خاصة أو استثنائية تتعلق بتعاون الدول الحتمي مع المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين. خلافا عن المحكمة الجنائية الدولية والتي تعدٌ بموجب قانونها الأساسي ثانوية وتابعة للمحاكم الوطنية فإن المحكمتين الجنائيتين الدوليتين لهما أولوية. مثال على ذلك هو تخلٌي العدالة الوطنية اليوغسلافية عن قضية ميلوسفتش لصالح المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا بناءا على طلب الوكيلة العامة كارلا دل بونتي مباشرة.
.4.1  القانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الجنائي
هنالك فرق يتعين الانتباه إليه. القوانين الوطنية الداخلية تخضع لسلم تراتبي وتبعي بما في ذلك القانون الجنائي، بينما القانون الدولي هو قانون مساواة وقانون توافقي. وبين القانونين الوطني والدولي تنسيق لا بدٌ منه.
1.4.1  القانون الجنائي الدولي
يصدر هذا الصنف من القوانين عن التشريع الوطني ويرمي إلى فك النزاعات الميدانية أو السيادية بين القوانين والاختصاصات القضائية عندما تحتوي قضية ما على عنصر أو عناصر أجنبية خارجة عن سيادة الدولة. حيث من الضروري أن تتعايش الأنظمة القانونية والقضائية الوطنية المختلفة.
.2.4.1 القانون الدولي الجنائي
يصدر القانون الدولي الجنائي عن قرارات واتفاقيات دولية وأيضا عن العرف الدولي المعتاد العمل به دوليا. لأن من طبيعته أنه من النظام العام يكون القانون الدولي الجنائي نتيجة اتفاق تحكيمي عسير كما كان الحال بالنسبة لتعريف جرائم القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وتبقى عادة لكل دولة صلاحية تحديد كل من عقوبة الجريمة وقواعد إجراءات المتابعة والمحاكمة التي تحتكرها السلطات التشريعية والشرطية والقضائية الداخلية.
يكون استخدام أو استعمال الاتفاقيات الدولية التي تصادق عليها الدولة مباشرا في الأنظمة القانونية "الأحادية" أو بعد المصادقة، ثم دمجها ضمن المنظومة القانونية الوطنية في الأنظمة القانونية المزدوجة (مثل الدانمرك وبلجيكا والمملكة البريطانية المتحدة, الخ). وتعطي دساتير دول الأنظمة القانونية  "الأحادية" عادة للاتفاقيات الدولية أولوية بالنسبة للقانون الوطني (نجد مثال ذلك في فرنسا وهولندة والجزائر, إلخ.) أو قوة موازية للقانون الوطني في سلم القواعد (مثل جمهورية مصر).  
.3.4.1 استخدام الاختصاص القضائي العالمي مقتصر على "الجرائم الخطيرة"
يكون استعمال الاختصاص القضائي العالمي مبرٌرا في مواجهة الجرائم ضد الحقوق الإنسانية الأساسية كونها تجمع حسب تعبير البروفسور فريدريك سودر على "خاصية بشرية غير قابلة للتصرف يرجع أصلها إلى مبادئ نجدها في موروث كل الثقافات والأنظمة الاجتماعية".
حقوق الإنسان هي في الواقع حقوق متغايرة وظرفية وغامضة ووحدتها شبه وهمية. فهي نتاج تبادل حضاري وثقافي وفكري لآلاف السنين تبلور أخيرا في عبارات ليبرالية غربية, فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة  1948 هو نتاج أغلبية أنظمة غربية كانت موجودة في الأمم المتحدة آنذاك، بينما الأغلبية الآن في نفس المنظمة مكونة من دول جديدة من آسيا وإفريقية لها موروث ثقافي وفلسفي وإيديولوجي ثمين متغاير, وعندما يكون الحوار من صلب الحقوق الإنسانية يصبح من الحق بمكان أن نعترف بنسبية عالمية حقوق الإنسان كما يعبٌر عليها الآن. للسبب ذاته لم تكن توجد آليات فعٌالة لحماية هذه الحقوق عندما كان للولايات المتحدة الأمريكية قانون داخلي عنصري يميز بين الأبيض والأسود وكان للأنظمة العظمى المتسلطة على الشعوب المستعمرة نية لاستدامة الوضع على حاله بينما كان في الاتحاد السوفييتي دكتاتورية الحزب الواحد وسياسة "الغولاغ" لتغييب المعارضين.
انتظرت البشرية لما بعد الحرب العالمية الثانية لتتٌفق على المادة 3 المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربعة التي تمنع بعض الجرائم "في كل زمان وفي كل مكان". وأدخلت اتفاقية فيينا المعقودة في 23 مايو/أيار 1969 و المتعلقة بقانون العهود الدولية مبدأ: "بطلان نصوص الاتفاقيات الدولية التي تتعارض مع قاعدة إلزامية تابعة للقانون العام الآمر (أي ius cogens), إن الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 تتضمن بعض الحقوق التي يمنع المساس بها في كل الظروف بما في ذلك حالات الطوارئ القصوى والاستعجال وحتى في حالة الحرب. ثم جاء القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليركٌز في مادتيه 1و5 ويحدد اختصاصها موضوعيا (ratione materi) لما يسمى بنواة الجرائم، أي الجرائم الخطيرة التي لها بعد دولي. ونعتبر من جانبنا أن الحقوق الإنسانية الأساسية هي التي يوصف التعدي عليها بالجريمة الجنائية الدولية والتي يحقٌ استعمال الاختصاص القضائي العالمي لحمايتها ويكون ذلك مبرٌرا.
.2  أصول مبدأ الاختصاص القضائي العالمي
للمبدأ أصول ومبررات أدبية وأخلاقية ودينية إلخ. سوف نهتم بالأصل القانوني للمبدأ، وعنينا في هذا الصٌدد الأساس الإرادي للدول ثم أصل العرف الدولي.
.1.2  إرادة الدول
.1.1.2  الإرادة المنفردة للدول
عموما لا يوجد مانع لأن تحدٌد أية دولة بإرادتها المنفردة مساحة أو مجال اختصاص قانونها ومحاكمها عندما تعتبر أن مصالحها مهدٌدة.
.2.1.2  الإرادة المشتركة للدول
تتٌفق الدول فيما بينها أو في إطار الأنظمة الحكومية المشتركة.
.1.2.1.2 إرادة الأنظمة الحكومية المشتركة
لمٌا تعبٌر بعض الحقوق عن "الأخلاق الدولية الرسمية" تكون حينها موضوع قرارات الأمم المتٌحدة أو اتفاقيات دولية متعدٌدة الأطراف. مثال من أمثلة قرارات الأمم المتٌحدة هو إعلان حماية كل إنسان من الاختفاء القصري والذي أسٌس لمبدأ الاختصاص القضائي العالمي. أيضا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المسمى "مبادئ التعاون الدولي فيما يتعلٌق بمتابعة وإلقاء القبض وتسليم ومعاقبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية". لقد سبق لمحكمة العدل الدولية (Cour Internationale de Justice)  اعتبار أن لقرارات الجمعية العامة للأمم المتٌحدة طابع تنظيمي وأنها تعدٌ بيٌنة لوجود رأي قانوني معتبر (opinio juris).
.2.2.1.2 الالتزام التعاقدي بين الدٌول (اتفاقيات ثنائية أو متعدٌدة الأطراف)
تؤسٌس - صراحة أو ضمنيا - بعض الاتفاقيات الدولية متعدٌدة الأطراف مبدأ الاختصاص القضائي العالمي عندما تلزمها باتخاذ تدابير قانونية لتجريم بعض التصرفات ومتابعة مرتكبيها. بيد أن الالتزام التعاقدي ليس كافيا دائما رغم أن القانون الدولي يلزم الدولة الموقعة على تنفيذ التزامها بحسن النية (التزام بالنتيجة). وتبقى الدولة صاحبة القرار في اختيار الوسائل المؤدية للتنفيذ إلاٌ في حالة اتفاقية ذات طابع تنفيذ تلقائي (self executing).
1.2.2.1.2 اتفاقيات جنيف الأربعة و البروتوكولين 1و2   الملحقة بها
تؤسس هذه النصوص لمبدأ الاختصاص القضائي العالمي لمكافحة الجرائم الخطيرة ضد الحقوق الإنسانية أثناء حالات النزاعات المسلحة الدولية أو الأهلية. التزمت ال 188 دولة التي وافقت على اتفاقيات جنيف بتجريم ضمن قوانينها الجنائية الداخلية جرائم الحرب المتفق عليها (الفقرة 1 من المواد 49 و 50 و 129 و146 لكل من الاتفاقيات 1 و 2 و 3 و 4). كما التزمت بموجب الفقرة 2 من نفس المواد باستعمال مبدأ الاختصاص القضائي العالمي كقاعدة مشتركة ملزمة لتلك الدول لمتابعة مجرمي الحرب. تلتزم الدول أيضا بموجب المادة 188 من البروتوكول 1 بالمساعدة القضائية فيما بينها والتعاون مثل تسليم المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة.
2.2.2.1.2 اتفاقية مكافحة جريمة التعذيب لسنة  1984
تؤسس اتفاقية مكافحة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة مبدأ الاختصاص القضائي العالمي (مادة 5) بالنسبة لل 132دولة التي وافقت على الاتفاقية. وبالتالي تصبح تلك الدول ملزمة بمتابعة مرتكبي جريمة التعذيب قضائيا (مادة 6) ومعاقبتهم (مادة 7) أو تسليمهم للمحاكمة (مادة 8).
. 3.2.2.1.2 المحكمة الجنائية الدولية  (CPI)
عكس محكمة العدل الدولية التي تختص بالنزاعات ما بين الدول تنظر المحكمة الجنائية الدولية فقط في التهم التي يقرها نظامها الأساسي المتفق عليه ضد الأشخاص. يقَرٌ نظام المحكمة الجنائية الدولية الأساسي أولوية المحاكم الجنائية الوطنية، وتتمثل ثانوية المحكمة الدولية بأنها لا تنظر ولا تصدر أحكامها إلا في الحالات الآتية (1) بلد المتهم طرف في عهد المحكمة (2) وقوع الجرم في بلد طرف في اتفاقية تأسيس المحكمة (3) أقر بلد ما اختصاص المحكمة في قضية وقعت في إقليمه أو تعلقت بأحد رعياه رغم أن البلد لم يكن طرفا في اتفاقية المحكمة. يستثنى من ذلك إحالة قضية بقرار مجلس الأمن وفق الباب 7 من ميثاق الأمم المتحدة.
.2.2  العرف الدولي
يؤسس العرف الدولي أيضا في البعض من بنوده الآمرة مبدأ الاختصاص القضائي العالمي خارج إرادة الدول.
.1.2.2  جريمة الإبادة الجماعية
وفق المادة 6 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي اعتمدت في 1948 يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها. لكن لم يكن اختيار هذه المحكمة إجباريا كما لم يمنع مبدأ الاختصاص القضائي العالمي. بعد مرور 62 سنة على الاتفاقية أصبح الأمر مختلفا. لقد جاء ضمن أعمال محكمة العدل العالمية (اثر طلب رأيها من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة - حول التحفظات عند الموافقة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية مثلا- أو على أساس نزاعات دولية مثل قضية البوسنة والهرسك ضد جمهورية يوغسلافيا، قرار يوليو\تموز-11 -1996) أن ولاية القضاء الوطني في مكافحة جريمة الإبادة لم تحدٌه الاتفاقية جغرافيا. وبالتالي فانه من واجب كل الدول الراقية وبغير سابق الالتزام باتفاقية منع جريمة الإبادة، متابعة ومحاكمة كل المتهمين بارتكابها. وقد أكٌدت محكمة الجنايات الدولية الخاصة بيوغسلافيا أن واجب المتابعة تفرضه قواعد العرف الدولي.
.2.2.2  الجريمة ضد الإنسانية
خصص القانون الأساسي لمحكمة نورنبرغ العسكرية المادة 6 س لتعريف الجريمة ضد الإنسانية التي قررت محكمة العدل الدولية أنها ممنوعة بموجب قواعد العرف الدولي الإلزامية (ius cogens) قواعد العرف الدولي الإلزامية تلك تقع على رأس هرم القانون الدولي حسب المادتين 53 و 64 من معاهدة فيينا الخاصة بالاتفاقيات الدولية، وتمثل بروز نظام عام دولي إجباري. لقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة في تقرير له بتاريخ 19 يوليو\تموز 2000 وافق عليه مجلس الأمن (قرار1314)، بأهمية مبدأ الاختصاص القضائي العالمي لمحاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
.3  فوائد مبدأ الاختصاص القضائي العالمي
كانت القرصنة أول جريمة عالمية تقع خارج حدود السيادة. كيف يمكن متابعة مرتكبيها ولم يكن ممكنا ربط أحد عناصرها بأية دولة؟ إن مبدأ الاختصاص القضائي العالمي هو الحل الوحيد للمعضلة. لكن فوائد مبدأ الاختصاص القضائي العالمي لا تقتصر على هذا الجانب فقط.
.1.3  الفائدة الأولى
أهمية هذا المبدأ الكبرى تكمن نظريا في كون أن أية حصانة لا يمكن أن تحول دون محاكمة المجرمين الكبار وأن أي بلد لا يمكن أن يكون مكان لجوء لهم حتى ولو كانوا من كبار مسؤولي الدولة.
 2.3. الفائدة الثانية
تكمن الفائدة الثانية في أن تدخل منظمة الأمم المتحدة جد استثنائي حتى في حالة خروقات مكثفة لحقوق إنسانية أساسية رغم صلاحيات المنظمة التي يمكنها فرض عقوبات (حصار مثلا) أو استعمال القوة. ويمكنها أيضا إنشاء محاكم خاصة بقرار يصدر عن الجمعية العامة أو مجلس الأمن كما كان الأمر في حالتي يوغسلافيا السابقة ورواند(هامش2). فمن الصعب جدا أن يحصل اتفاق داخل الأمم المتٌحدة في هذا الشأن. حتى إذا ما تم ذلك بأغلبية أو بإجماع فإن سلبيات القرار يتحملها المدنيون الأبرياء أكثر من المجرمين. زيادة على ذلك وفي حالة تدخل عسكري وتوقف القتال أو المجازر، فالكراهية تبقى ما دامت الشعوب والضحايا تعتبر أن العدالة لم تأخذ مجراها. ثم إن المحاكم الاستثنائية تُنشأ عن طريق الاستعجال وحسب حالات معينة ويكون اختصاصها محدودا في زمن  الوقائع (prorata temporis ) وأشخاص محدودة ومعيٌنة الجنسية (ratione personae).
.3.3  الفائدة الثالثة
من المفيد أن نركز على الفائدة الثالثة، لأن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية يجعل البعض يظن أن لا فائدة بعدها لمبدأ الاختصاص القضائي العالمي. و الحقيقة أن المحكمة الجنائية الدولية جاءت مكمٌلة للمحاكم الوطنية، وهي تعتبر ثانوية بالنسبة لها كما جاء في ديباجة القانون الأساسي للمحكمة الدولية ومادته الأولى. تمارس المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها تجاه الدول الأطراف في حالتين فقط: (1) عندما لا يمكن للجهات القضائية المحلية التحرك، (2) أو عندما ليس لها إرادة للتحرك. هذا ما جعل الأستاذ سيرج سور(Serge Sur)  يقول:" يعتبر التماس المحكمة الجنائية الدولية بمثابة فشل ضمني للمحاكم العادية ويعني بالتالي أن الدول لم تقم بواجبها".
تبرز عناصر أخرى أهمية مبدأ الاختصاص القضائي العالمي ومنها:
أ - ليس لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية أثر رجعي. وطبقا للمادتين 11و42 من قانونها الأساسي لا يمكن للمحكمة النظر في الجرائم التي ارتكبت قبل 1 تموز/يوليو 2002.
ب-  صلاحيات المحكمة محدودة من ثلاثة جوانب: فهي تنظر فقط في الجرائم المرتكبة في البلدان أطراف الاتفاقية. ثم يمكن لمجلس أمن الأمم المتحدة أن يشل أعمالها بتوقيف التحريات لمدة سنة قابلة للتمديد (مادة 16 من القانون الأساسي). أيضا يمكن لأية دولة رفض مدة 7سنوات اختصاص المحكمة في جرائم الحرب (وفق المادة 124).
ج - تبعية المحكمة الجنائية الدولية بالنسبة للدول، لأن ليس لديها قوة بوليس ولا سجون لتتمكن من إلقاء القبض على مرتكبي الجرائم لمحاكمتهم أو سجنهم بعد إدانتهم. كما يصعب لها جمع الأدلة والاستماع للشهود والضحايا أو ضمان أمنهم من الإنتقام بغير مساعدة الدول. ضعف المحكمة وتبعيتها للدول يبرز فائدة مبدأ الاختصاص القضائي العالمي لمكافحة غياب المحاسبة.
ح-  يمكن لأية دولة طرف في اتفاقية إنشاء المحكمة أن ترفض كليا أو جزئيا مساعدة المحكمة رغم واجب التعاون بموجب المادة 86, هذا كلٌما رأت أن ذلك يمسٌ أمنها القومي. كما تمنع المادة 98من القانون الأساسي المحكمة من أن تطالب دولة طرف بتقديم أو بمساعدة تقتضي من الدولة الموجه إليها الطلب أن تتصرف على نحو يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانة الدولة أو الحصانة الدبلوماسية الشخصية أو المالية تابعة لدولة ثالثة ما لم تحصل المحكمة على تنازل الدولة الثالثة.
خ-  من الواضح أن الدول التي ترفض وجود المحكمة الجنائية الدولية هي دول قوية لا يستهان بها (الولايات الأمريكية المتحدة وروسيا واليابان والصين والهند وباكستان وإسرائيل وكل الدول العربية ما عدا الأردن). و تحارب أمريكا صلاحيات المحكمة صراحة بحيث أبرمت مع 65 دولة (إحصاء 1 أكتوبر2003) اتفاقية تعطي لرعايا أميركا الحصانة، كما عاقبت 32 دولة أخرى بسبب رفضها إبرام الاتفاقية نفسها.
د-  عكس ما يعتقد الكثيرون، لم يكن تعريف الجرائم ضمن القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التعريف الأوسع لها في الفقه الجنائي. اكتفى كاتبو القانون بالمصطلحات وعناصر الجرائم المعروفة سنة 1998، مما جعلهم يحتفظون في المادة 10 بالقول أنه ليس هناك ما يقيد أو يمس بأي شكل من الأشكال قواعد القانون الجنائي الدولي القائمة أو المتطورة.
4. مضمون وشروط استخدام مبدأ الاختصاص القضائي العالمي

هنالك نظريتين لمعرفة مضمون الاختصاص القضائي العالمي: الأولى، ضيٌقة تجسٌد الاختصاص القضائي العالمي الإجباري، والثانية بمضمونها الأوسع اختيارية، لأنها تتجاوز حدود ما هو إلزامي بموجب القانون الدولي التعاقدي والعرفي.وبما أن الاختصاص القضائي العالمي يعتبر وسيلة مكافحة غياب محاسبة من يقومون بجرائم دولية ضد الحقوق الأساسية للإنسان يكون لنا قول حول المنظمات التي تريد استعماله ضد الشركات متعدٌدة الجنسيات لمخالفتها الحقوق الاجتماعية ونظم البيئة.
1.4  مضمون مبدأ الاختصاص القضائي العالمي
تعدٌ نظرية اختصاص قضائي واسع لصالح الضحايا لأنها لا تشترط ما يربط بين قضية انتهاك خطير للحقوق الأساسية للإنسان والقاضي الوطني. نلاحظ في الواقع أن النظرية الأكثر اتساعا هي النظرية الضيٌقة الإجبارية والتي تشترط في أقصى درجة اتساعها أن يسكن الجاني في تراب السيادة ولو مؤقتا أو أن يكون عابرا فيه.
1.1.4.  الاختصاص القضائي العالمي الاختياري أو المطلق
استعمل الاختصاص القضائي العالمي المطلق قديما ضد العقيد النازي  إشمان مثلا الذي تمت محاكمته بإسرائيل سنة 1961 بناءا على قانون 1950 الذي يمكن بموجبه محاكمة أجانب اقترفوا جرائم خطيرة خارج حدود بلد القاضي (أثناء الأحداث لم يكن لإسرائيل وجود وكانت الضحايا تحمل جنسيات مختلفة). جاء في حيثيات قرار المحكمة العليا الإسرائيلية أن " طبيعة الجرم العالمية هي التي تعطي لكل دولة حق معاقبة من شارك في ارتكابها".سبق لبلجيكا أخذ هذه النظرية بعين الاعتبار ضمن قانوني 16 حزيران/يونيو 1993 و 10 فبراير/شباط 1999. وتمت محاكمة أربعة روانديين على أساس جريمة الإبادة الجماعية سنة 2001 . كذلك أودعت شكوى ضد شارون لتتم مراجعة قوانين مكافحة الجرائم الدولية. كما جاء في المادة  8 من قانون نيوزيلندا المتعلٌق بإدماج قانون المحكمة الجنائية الدولية ضمن القانون الوطني، بانٌ للقاضي الوطني اختصاص في النظر في الجرائم الخطيرة التي تُحرمها المحكمة الدولية حتى في حالة ما إذا تمت الوقائع خارج تراب السيادة وتعني فقط أجانب. لكن لم  يسمح القانون النيوزيلندي بالمحاكمات الغيابية.
2.1.4.  الاختصاص القضائي العالمي الإجباري أو النسبي
تراجعت بعض الدول عن اختيارها السابق لمبدأ الاختصاص القضائي العالمي المطلق. يشترط القانون البلجيكي الجديد آب/أو أغسطس 2003 بأن يكون للمتهم مقر رئيسي في بلجيكا وأن تكون الضحية من جنسية بلجيكية أو مقيمة فيها منذ 3 سنوات على الأقل يوم تاريخ الوقائع. غيٌرت سويسرا قوانينها أيضا بعد الشكوى التي أُقيمت ضد وزير الدفاع الإسرائيلي بحيث لا تقبل شكوى بعد ذلك إلاٌ إذا كانت للمتهم علاقة وطيدة مع سويسرا. فرنسا وألمانيا وأستراليا وبريطانيا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية (لاسيما باستخدام قانون يرجع لأكثر من قرينين وهو: Alien Tort Claims Act)  وبلدان أخرى، أخذت تدابير قانونية ترسٌخ مبدأ الاختصاص القضائي العالمي النسبي بدرجات متفاوتة. أُخذت أكثر التقنيات الجديدة بمناسبة الانضمام إلى اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
2.4 ماذا عن استعمال الاختصاص القضائي العالمي ضد الشٌركات الدولية ؟
تحاول بعض المنظمات غير الحكومية جاهدة توسيع استعمال مبدأ الاختصاص القضائي العالمي ضد الشٌركات الدولية عند خرق هذه الأخيرة للحقوق الاجتماعية والبيئية. لم تكن دوافعها كلها من غير مبرٌر أو أثر أيضا. لكن يُفسد التوجٌه مضمون المبدأ ويشوٌش على مقاومة غياب المحاسبة عند ما تُخترق الحقوق الإنسانية الأساسية مثل حق الحياة ومنع التعذيب الخ، والتي تكون آثارها مستديمة. تختلف الحقوق الإنسانية الأساسية عن غيرها لأنها غير قابلة للحبس أو التجزئة، كما جاء في معظم الاتفاقيات الدولية المتضمنة للحقوق (أنظر المادة 4من معاهدة الحقوق المدنية والسياسية مثلا)، سوى في السلم أو في الحرب. تعتمد آراء مؤيدي توسيع الاختصاص القضائي العالمي لمقاضاة الشركات على مبدأ " عالمية وعدم تجزئة حقوق الإنسان". بيد أن المبدأ ليس قناعة فلسفية أو أدبية-أخلاقية بل هو مشروع مشترك وديناميكية تبادل وبناء تتمحور فيه الإيجابية (الاعتراف بالحقوق) والسلبية (إبعاد الخروقات الفادحة للحقوق الحياتية). ولا يمكن الالتقاء حولها إلاٌ إذا تم الاتفاق حول أولويات الحقوق. كتب روزفلت حول قصد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إننا نتشوٌق لعالم تكون الإنسانية فيه قد تخلٌصت من الرعب ومن الجوع. لقد أصاب بتقديم الأمن على العيش.
.5  معوقات تطبيق الاختصاص القضائي العالمي
المعوقات التي تقف حائلا في وجه تطبيق مبدأ الاختصاص القضائي العالمي ليست فقط مادية، وإنما إيديولوجية وسياسية بالدرجة الأولى. للأسف، لا يكفي الواجب المفروض على البلد للقيام قضائيا بملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية للتأكد من تنفيذه ذلك، انطلاقا من الاختصاص القضائي العالمي.
.1.5 معوقات مادية   
معوقات تطبيق الاختصاص القضائي العالمي المادية تعود لكون هذا النظام لا يجد تأييدا مطلقا من قبل الدول. فتجميع الأدلة على جريمة ارتكبت على بعد آلاف الكيلومترات أحيانا، و استماع و مواجهة الشهود و الضحايا الذين يطرحون صعوبات أمنية بالنظر لإمكانية الانتقام منهم - إضافة لغياب تعاون الدولة التي ارتكبت الجريمة على أرضها، كلها أمور قد يكون من الصعب تجاوزها. وهو ما لا يشجع الدول على تنفيذ الالتزام بالاقتصاص من مقترف الجرم المفترض. ذلك بالرغم من أن مكافحة غياب المحاسبة تتطلب تضحيات.
.2.5 معوقات سياسية
الحدود بين القضائي والسياسي غالبا ما تكون هشة، بحيث تطرح بقوة مسألة الحد المعياري. يتمسك رافضو مبدأ الاختصاص القضائي العالمي عادة بالقول أن الفصل في الأوامر القضائية لا يجب أن يتعدى حدود البلدان. وهو ما كرسه مفهوم السيادة الوطنية الذي يقضي بعدم اختصاص الأجهزة القضائية لدولة ما في محاكمة من هم ليسوا من رعاياها واقترفوا جرائم على أرض أجنبية وضد أجانب. للأسف الواجب القضائي بملاحقة من يفترض أنهم ارتكبوا جرائم دولية لا يكفي دوما للتأكد من أن البلد قد قام بملاحقات على قاعدة الاختصاص العالمي.
مسألة السيادية هذه لا يتم تطبيقها في حالة التبعية بين البلدان، مثلا بين بلدان الاستعمار القديمة و مستعمراتها. فمبدأ الاختصاص القضائي العالمي لا يطبق عند ارتكاب جريمة ضد حقوق الإنسان الأساسية إلا إذا اقترن بمصالح سياسية و|أو اقتصادية في أغلب الأحيان. المصالح السياسية والاقتصادية تعيق أحيانا كثيرة -أو تساهم في- تطبيق حكم القانون. وهكذا، بسبب غلبة الطابع السياسي للجرائم التي تمس الإنسانية يستمر الجدل قائما كترجمة لوجود سياسة المكيالين والمعيارين. مما يحدو ببعض الدول المطالبة -أو الرفض الشديد- بمبدأ الاختصاص القضائي العالمي تبعا لمصالحهم الآنية.
.6  خاتمة
خلال زمن طويل عاش وضع حقوق الإنسان، إن من ناحية المحتوى أو الآليات التي تؤمن تطبيقها، في كنف التصور السياسي للعالم ومن خلال المفاهيم السائدة عن دور الدولة وسيادتها داخل وخارج حدودها.
التحولات التي حصلت في العقد الأخير من الألفية الثانية كانت عميقة بحيث لم يتوانى البعض عن الحديث عن زمن جديد، وموضوعة التقاضي في ميدان الحقوق الإنسانية تعكس مدى هذه التحولات. من المهم التذكير بالطابع التقدمي لمبدأ الاختصاص القضائي العالمي الذي فرض نفسه أكثر فأكثر في ميدان مكافحة غياب العقاب.
للأسف، ما زال هذا المبدأ محاربا بالرغم من أنه يشكل وسيلة مكافحة وردع مع إمكانية رفع دعوى أمام قاضي محلي أجنبي لمنع دكتاتور مقبل من انتهاك فظيع لحقوق الإنسان. فالعالم الأحادي القطبية الحالي يقود لانقلاب كامل للوضع ويبرز دور المجتمع المدني العالمي. إن العمل الجبار الذي قامت به الجمعيات غير الحكومية في روما، بالرغم من مقاومة الحكومات لها، خلال النقاشات الأخيرة وعند تبني نظام المحكمة الجنائية الدولية، كان من شأنه أن عزز بشكل كبير احترام حقوق الإنسان. تم إحراز هذه الانتصارات وفي الوقت نفسه مراعاة التوازنات الضرورية بين الأنظمة القضائية للدول، بين حقوق المتهمين وضحاياهم وبين القضاة والمدعين العامين ومحامي الدفاع.

هذا النوع من الحراك يجب أن يستمر كي ينتصر الإنساني على ما هو غير إنساني، خاصة عبر تطبيق مبدأ الاختصاص القضائي العالمي وفي كل مكان. بذلك، يصبح الالتجاء للمحكمة الجنائية الدولية المحاولة الأخيرة، أي الشواذ عن القاعدة، التي هي اللجوء لأي قاضي وطني يثق بعدالته بفضل مبدأ الاختصاص القضائي العالمي.


الهوامش
1. عنوان و نص المحاضرة التي القاها الاستاذ ابراهيم التاوتي بالمنامة عاصمة البحرين في2001, ثم تم نشرها سنة 2002ضمن الموسوعة الصغيرة العربية لحقوق الانسانa " Short Universal Encyclopaedia of Human Rights : Reflections & Fundamental Texts ", Publishers Al Ahali Damascus, Eurabe & Arab Commission for Human Rights - Paris, 2002, Vol. II, pp. 17-32.
2. عكس ما يظنٌ الكثيرون، لا تقتصر صلاحية إنشاء المحاكم الخاصة علي مجلس الأمنبل للجمعية العامة للأمم المتحدة حق إنشائها أيضا كما فعلت لما أنشأت محكمة إدارية(TANU)وقوة عسكرية إستعجالية لتتمركز بين القوات المصرية والإسرائيلية(FUNU1) سنة 1956. ُوسٌعت صلاحيات الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرار30نوفمبر1950سمي قرار ‌‌‌‍‍‘‘ آشسون –Acheson’’ لتجنٌب شل قدرات مجلس الأمن بسبب استعمال حق الفيتو أثناء الحرب الباردة.

الثلاثاء، 25 مارس 2014

رأي في أهلية الزواج

رأيٌ في أهلية الزواج

المشرّع الأردني: نصّ قانون الأحوال الشخصية الأردني المؤقت الصادر سنة  2010 رقم (36) على شروط أهلية الزواج، ويمكننا تلخيصها في نقاط على الشكل التالي:
أ- أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين.
ب- أن يتم كل منهما ثمانية عشر سنة شمسية من عمره.
* الأصل أن يتم كل منهما ثمانية عشر سنة إلا أن المشرع نصّ على استثناء وهو “يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة أن يأذن في حالات خاصة بزواج من أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره وفقاً لتعليمات يصدرها لهذه الغاية …”
وأضاف المشرع أيضاً في المادة (11) من نفس القانون نصاً :”يمنع اجراء العقد على امرأة إذا كان خاطبها يكبرها بأكثر من عشرين سنة إلا بعد أن يتحقق القاضي من رضاها واختيارها”.

رأيي في المسألة: أرى أن تحديد سن الزواج أصلاً والحاق استثناءً به غير موفق من المشرّعين وربّما هذا التوجه في وضه سن للزواج تماشياً مع دول القانون وحقوق الانسان وما شاكل، وهنا لست في صدد التحدّث عن النيات، ولكن برأيي لابد أن ينص المشرع على شروط معينة ومحددة منها:
أ- أن يكون الخاطب والمخطوبة بالغين راشدين عاقلين.
ب- أن يصلا إلى سن البلوغ. * مع عدم وجود ضابطة ولكن القاضي له سلطة تقديرية في تحديد ذلك.
وإذا لم يصل أحدهما إلى سن البلوغ، أو بلغ من غير رشد توقف الزواج على إذن الولي.

وجهة نظري أن السن لا يشكل حاجزاً أمام الرشد، فالمقياس هو البلوغ بدرجة أولى والرشد بدرجة ثانية، ويمكننا القول “إذا أتمت الفتاة العام التاسع من عمرها فللقاضي أن يأذن لها بالزواج إذا آنس منها الرشد، ويأذن للغلام الراشد بعد أن يتم الخامسة عشرة من عمره”.


المراجع:
1. الواضح في شرح قانون الأحوال الشخصية الأردني للدكتور عمر سليمان الأشقر.

2. الفصول الشرعية على مذهب الامامية، للعلامة محمد جواد مغنية (قدس سره الشريف).

الثلاثاء، 4 مارس 2014

يوحنّا بن إسرائيل الذمّي


يقول يوحنّا بن إسرائيل الذمّي : إنّي كنت رجلاً ذميّا (2) ، متقنا للفنون العقليّة ، ممتعاً من العلوم النقليّة ، لا يحيدني عن الحقّ مموّهات الدلائل ، ولا يلقيني في الباطل مزخرفات العبارات ، ومنمّقات الرسائل ، أنجر ينابيع التحقيق من أطواد الحلوم ، وأستخرج بالفكر الدقيق المجهول من العلوم ، أتصفّح بنظر الاعتبار ومعتقد فريق فريق ، وأُميّز بين ذلك سواء الطريق ، والناس إذ ذاك قد مزّقوا دينهم وكانوا شيعا وتمزّقوا كلّ ممزّق وتبروا قطعا ، فلهم قلوب لا يفقهون ، بها ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها ، يخبطون خبط عشواء فهم لا يبصرون ؛ ويتعسّفون مهامة الضلالة فهم في ريبهم يتردّدون ؛ فبعضهم دينه صابئي ، وغيرهم مجوسي ، وهذا يهودي ، وهذا نصراني ، وآخر محمدي ، وبعض عبدوا الكواكب ، وبعض عبدوا الشمس ، وطائفة عبدوا النار ، وقوم عبدوا العجل ، وكلّ فرقة من هؤلاء صاروا فرقا لا تحصى.

 فلمّا رأيت تشعّب القول ، وشاهدت تناقض النقول ، طابقت المعقول بالمنقول ، وميّزت الصحيح من المعلول ، وأقمت الدليل على وجوب اتّباع ملّة الاسلام ، والاقتداء بها إلى يوم الحساب والقيام ، فأظهرت كلمة الشهادة ، وألزمت نفسي بما فيه من العبادة ، وجمعت الكتب الاسلامية من التفاسير والاحاديث والاُصول والفروع من جميع الفرق المختلفة ، وجعلت أُطالعها ليلاً ونهارا وأتفكّر في المناقضات التي وقعت في دين الاسلام.
 فقال بعضهم : إنّ صفات الله تعالى عين ذاته ، وبعض قال : لا عين ذاته ولا زائدة ، وبعض قال : إنّ الله عزّ وجلّ أراد الشرّ وخلقه ، وبعض نزّهه عن ذلك ، وبعض جوّز على الانبياء الصغائر ، وبعض جوّز الكبائر ، وبعض جوّز الكفر (3) ، وبعض أوجب عصمتهم ، وبعض أوجب النصّ بالامامة (4) ، وبعض أنكره ، وبعض قال: بإمامة أبي بكر وأنّه أفضل ، وبعض كفّره ، وبعض قال: بإمامة علي ، وبعض قال: بإلهيّته ، وبعض ساق الامامة في أولاد الحسن ، وبعض ساقها في أولاد الحسين ، وبعض وقف على موسى الكاظم (5) ، وبعضهم قال: باثنى عشر إماما ، إلى غير ذلك من الاقوال التي لا تحصى.
 وكلّ هذه الاختلافات إنّما نشأت من استبدادهم بالرأي في مقابلة النصّ ، واختيارهم الهوى في معارضة النفس وتحكيم العقل على من لا يحكم عليه العقل وكان الاصل فيما اختلف فيه جميع الامم السالفة واللاحقة من الاُصول شبهة إبليس ، وكان الاصل في جميع ما اختلف فيه المسلمون من الفروع مخالفة وقعت من عمر بن الخطّاب لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ واستبداده برأي منه في مقابلة الامر النبويّ ، فصارت تلك الشبهة والمخالفة مبدأ كلّ بدعة ، ومنبع كلّ ضلالة.
 أمّا شبهة إبليس فتشعّبت منها سبع شبه ، فصارت في الخلائق ، وفتنت العقلاء ، وتلك الشبهات السبع مسطورة في شرح الاناجيل ، مذكورة في التوارة ، متفرّقة على شكل مناظرة بين إبليس وبين الملائكة بعد الامر بالسجود والامتناع منه.
 فقال إبليس للملائكة : إنّي سلّمت أنّ الباري تعالى إلهي وإله الخلق ، عالم قادر ، ولا يسأل عن قدرته ومشيئته ، وإنّه مهما أراد شيئا قال له: كن فيكون ، وهو حكيم إلاّ أنّه يتوجّه على مساق حكمته أسئلة.
 قالت الملائكة : وما هي ؟ وكم هي ؟
 قال إبليس : سبع.
 الاوّل : أنّه قد علم قبل خلقي أيّ شيؤ يصدر عنّي ، ويحصل منّي ، فلم خلقني أوّلاً ؟ وما الحكمة في خلقه إيّاي ؟
 الثاني : إذ خلقني على مقتضى إرادته ومشيئته فلم كلّفني بطاعته وأماط الحكمة في التكليف بعد أن لا ينتفع بطاعته ، ولا يتضرّر بمعصيته ؟
 الثالث : إذ خلقني وكلّفني فالتزمت تكليفه بالمعرفة والطاعة ، فعرفت وأطعت ، فلم كلّفني بطاعة آدم والسجود له ؟ وما الحكمة في هذا التكليف على الخصوص بعد أن لا يزيد ذلك في طاعتي ومعرفتي ؟
 الرابع : إذ خلقني وكلّفني بهذا التكليف على الخصوص فإذ لم أسجد لعنني وأخرجني من الجنّة ، ما الحكمة في ذلك بعد إذ لم أرتكب قبيحا إلاّ قولي لا أسجد إلاّ لك ؟
 الخامس : إذ خلقني وكلّفني مطلقا وخصوصا ، فلمّا لم أطع في السجود فلعنني وطردني ، فلم طرقني إلى آدم حتى دخلت الجنّة وغررته بوسوستي ، فأكل من الشجرة المنهيّ عنها ؟ ولم أخرجه معي ؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو منعني من دخول الجنّة امتنع استخراجي لادم وبقي في الجنّة ؟
 السادس : إذ خلقني وكلّفني عموما وخصوصا ولعنني ثمّ طرقني إلى الجنّة وكانت الخصومة بيني وبين آدم ، فلم سلّطني على أولاده حتى أراهم من حيث لا يروني ، وتؤثّر فيهم وسوستي ، ولا يؤثّر فيَّ حولهم ولا قوّتهم ولا استطاعتهم ؟ وما الحكمة في ذلك بعد أن لو خلاّهم على الفطرة دون من يغتالهم عنها فيعيشون طاهرين سالمين مطيعين كان أليق وأحرى بالحكمة ؟
 السابع : سلّمت لهذا كلّه خلقني وكلّفني مطلقا ومقيّدا وإذ لم أطع طردني ولعنني وإذا أردت دخول الجنّة مكّنني وطرقني وإذ عملت عملي أخرجني ثمّ سلّطني على بني آدم ، فلم إذ استمهلته أمهلني ، فقلت : ( فَأَنْظِرْنِي إلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (6) ؟ وما الحكمة في ذلك بعد إذ لو أهلكني في الحال استراح الخلق منّي ، وما بقي شرُّ في العالم ، أليس ببقاء العالم على نظام الخير خير من امتزاجه بالشرّ ؟
 قال : فهذه الحجّة حجّتي على ما ادّعيته من كلّ مسألة. قال شارح الانجيل : فأوحى الله تعالى إلى الملائكة قولوا له : أما تسليمك الاُولى أنّي إلهك وإله الخلق فإنّك غير صادق فيه ولا مخلص ، إذ لو صدقت أنّي إله العالمين لما احتكمت عليَّ بلم وأنا الله الذي لا إله إلاّ هو لا أُسأل عمّا أفعل والخلق يسألون.
 قال يوحنّا : وهذا الذي ذكرته من التوراة في الانجيل مسطور على الوجه الذي ذكرته (7).
 وأمّا المخالفة التي وقعت من عمر بن الخطّاب : أنّه لمّا مرض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مرضه الذي توفّي فيه دخل عليه جماعة من الصحابة ، وفيهم : عمر بن الخطّاب ، وعرف رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ رحلته من الدنيا واختلاف أُمّته بعده ، وضلال كثير منهم ، فقال للحاضرين : « ائتوني بدواة وبيضاء لاكتب لكم كتابا لن تضّلوا بعدي.
 قال عمر بن الخطّاب : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع ، وإنّ الرجل ليهجر ، وعندكم القرآن حسبكم كتاب الله (8).
 فلو أنّ عمر لم يحل بينه وبين الكتاب لكتب الكتاب ، ولو كتبه لارتفع الضلال عن الاُمّة ، لكن عمر منعه من الكتابة ، فكان هو السبب في وقوع الضلال ، وأنا والله لا أقول هذا تعصّبا للرافضة ولكنّي أقول ما وجدته في كتب أهل السنّة الصحيحة ، وهو مصرّح في صحيح مسلم الذي يعتمدون عليه.
 ومن الخلاف الذي جرى بين عمر وبعض الصحابة : أنّه لمّا مرض رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مرضه الذي توفّي فيه جهّز جيشا إلى الروم إلى موضع يقال له: مؤتة ، وبعث فيه وجوه الصحابة مثل أبي بكر وعمر وغيرهما ، فأمّر عليهم أُسامة بن زيد فوّلاه وبرزوا عن المدينة ، فلّما ثقل المرض برسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تثاقل الصحابة عن السير وتسلّلوا ، وبقي أبو بكر وعمر يجيئان ويتجسّسان أحوال صحّة رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ومرضه ليلاً ويذهبان إلى المعسكر نهارا ، ورسول الله يصيح بهم : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن الله المتخلّف عنه » حتى قالها ثلاثا.
 فقال قوم : يجب علينا امتثال أمره ، وقال قوم : لا تسع قلوبنا المفارقة (9).
 ولا يخفى على العاقل قصد النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ في بعث أبي بكر وعمر تحت ولاية أُسامة في مرضه وحثّهم على المسير ، ولا يخفى أيضا مخالفتهم ورجوعهم من غير إذنه لما كان ذلك ، ولا يخفى لعن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ المتخلّف عن جيش أُسامة فلماذا كان ؟ ( فإنّها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور (10).
 ومن الخلاف : أنّه لما مات النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال عمر : « والله ما مات محمد ، ولن يموت ، ومن قال إنّ محمدا مات قتلته بسيفي هذا ، وإنّما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم » ، فلمّا تلا عليه أبو بكر : ( إنّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (11) رجع عمر وقال : كأنّي لم أسمع بهذه حتى قرأها أبو بكر (12).
 ومن الخلاف الواقع في الامامة : أنّه ما سلّ سيف في الاسلام على قاعدة دينية مثلما سلّ على الامامة ، وهو أنّه لما مات النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ اشتغل علي ـ عليه السلام ـ بتجهيزه ودفنه وملازمته ذلك ومضى أبو بكر وعمر إلى سقيفة بني ساعدة ، فمدّ عمر يده فبايع أبا بكر وبايعه الناس ، وتخلّف علي ـ عليه السلام ـ عن البيعة وعمّه العبّاس والزبير وبنو هاشم وسعد بن عبادة الانصاري ، ووقع الخلاف الذي سفك فيه الدماء ، ولو ترك عمر بن الخطّاب الاستعجال وصبر حتى يجتمع أهل الحلّ والعقد ويبايعوا الاوّل لكان أولى ولم يحصل الخلاف لمن بعدهم في الاستخلاف (13).
 ومن الخلاف : أنّه لما مات النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ وفي يد فاطمة ـ عليها السلام ـ فدك متصرّفة فيها من عند أبيها (14) فرفع أبو بكر يدها عنها وعزل وكلاءها ، فأتت إلى أبي بكر وطلبت ميراثها من أبيها ، فمنعها واحتجّ بأنّ النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : ما تركناه يكون صدقة (15) ، واحتجّت فاطمة فلم يجبها ، فولّت غضبانة عليه (16) ، وهجرته فلم تكلّمه حتى ماتت (17) ، وفي أثناء المحاجّة أذعن أبو بكر لقولها ، فكتب لها بفدك كتابا ، فلمّا رآه عمر مزّق الكتاب (18) وكان هذا هو السبب الاعظم في الاعتراض على الصحابة والتشنيع عليهم بإيذاء فاطمة ـ عليها السلام ـ مع روايتهم أنّ من آذاها فقد آذى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ (19) ، وفي الحقيقة ما كان لائقا من الصحابة أن يعطي رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ‍ ابنته ممّا أفاء الله عليه فينزعه أبو بكر وعمر منها مع علمهم أنّها كانت تطحن الشعير بيدها ، وإنّما كانت تريد بالذي ادّعته من فدك صرفه للحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ فيحرمونها ذلك ويتركونها محتاجة كئيبة حزينة ، وعثمان بن عفّان يعطي مروان بن الحكم (20) طريد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مائتي مثقال من الذهب من بيت مال المسلمين ولا ينكرون عليه ولا على أبي بكر ، ولو أنّ عمر لم يمزّق الكتاب أو انّه ساعد فاطمة في دعواها ، لكان لهم أحمد عاقبة ولم تبلغ الشنيعة ما بلغت.
 قال يوحنّا : ومن الخلاف الذي وقع وكان سببه عمر : الشورى (21) ، فإنّه جعلها في ستّة وقال : إذا افترقوا فريقين فالذي فيهم عبد الرحمن بن عوف فهم على الحقّ ، وعبد الرحمن لا يترك جانب عثمان كما هو معلوم حتى قال علي ـ عليه السلام ـ للعبّاس : يا عمّ عدل بها عنّي فياليته تركها هملاً كما يزعم أنّ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ تركها ، أو كان ينصّ بها كما نصّ أبو بكر فخالف الامرين حتى أفضت الخلافة إلى عثمان ، فطرد من آواه (22) رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ، وآوى من طرده (23) رسول الله ـ‍ صلّى الله عليه وآله ـ وأحدث أُمورا قتل بها وفتح بها باب القتال إلى يوم القيامة ، وأفضت الخلافة إلى معاوية الذي ألَّب عائشة وطلحة والزبير على حرب علي ـ عليه السلام ـ حتى قُتل يوم الجمل ستّون ألفا ، ثمّ حارب عليّا ـ عليه السلام ـ ثمانية عشر شهرا وقتل في حربه مائة وخمسون ألفا ، وأفضت الخلافة إلى ولده يزيد فقتل الحسين ـ عليه السلام ـ بتلك الشناعة ، وحاصر عبد الله بن الزبير في مكّة فلجأ إلى الكعبة فنصب بمكّة المنجنيق ، وهدم الكعبة ، ونهب المدينة ، وأباحها لعسكره ثلاثة أيّام (24).
 وقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ أنّه قال : « المدينة حرم ما بين عاير إلى وعير ، من أحدث فيه حدثا فعليه لعنة الله » (25) ، فما ظنّك بمن يقتل أولاده ، ويرفع رؤوسهم على الرماح ، ويطوف بها في البلاد جهرا ، وأفضى الامر الى أنّهم أمروا بسبّ عليّ على المنابر ألف شهر ، وطلبوا العلوّيين فقتلوهم وشرّدوهم (26) ، وأفضى الامر إلى الوليد بن عبد الملك الذي تفأّل يوما بالمصحف فظهر له قوله تعالى : ( واستفتحوا وخاب كلّ جبّار عنيد ) (27) فنصب المصحف يوما فرماه بالنشاب وأنشد شعرا :


تهـددني بجبّــار عنيــد*فها أنا ذاك جبّــار عنيــد
إذا مـا جئت ربّك يوم حشر*فقل يا ربّ مزّقني ‌الوليد(28)


 فإذا نظر العاقل إلى هذه المفاسد كلّها لرأى أنّ أصلها منع رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن كتابة الكتاب، وجعل الخلافة باختيار الناس من غير نصّ ممّن له النصّ فكلّ السبب من عمر بن الخطّاب.
 ولا يظنّ أحد أنّي أقول هذا بغضا لعمر لا والله وإنّما هو مسطور في كتبهم والحال كذلك فما يسعني أن أنكر شيئا ممّا وقع ومضى.
 قال يوحنّا : فلمّا رأيت هذه الاختلافات من كبار الصحابة الذين يُذكرون مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ فوق المنابر عظم عليَّ الامر وغمَّ عليَّ الحال وكدت أفتتن في ديني ، فقصدت بغداد وهي قُبّةُ الاسلام لاُفاوض فيما رأيت من اختلاف علماء المسلمين لانظر الحقّ وأتّبعه ، فلمّا اجتمعت بعلماء المذاهب الاربعة ، قلت لهم : إنّي رجل ذمّي ، وقد هداني الله إلى الاسلام فأسلمت وقد أتيت إليكم لانقل عنكم معالم الدين ، وشرائع الاسلام ، والحديث ، لازداد بصيرة في ديني.
 فقال كبيرهم وكان حنفيّا : يا يوحنّا ، مذاهب الاسلام أربعة فاختر واحدا منهما ، ثمّ اشرع في قراءة ما تريد.
 فقلت له : إنّي رأيت تخالفاً وعلمت أنّ الحقّ منها واحدٌ فاختاروا لي ما تعلمون أنّه الحقّ الذي كان عليه نبيّكم.
 قال الحنفي : إنّا لا نعلم يقينا ما كان عليه نبيّنا بل نعلم أنّ طريقته ليست خارجة من الفرق الاسلاميّة وكلّ من أربعتنا يقول إنّه محقّ ، لكن يمكن أن يكون مبطلاً ، ويقول: إنّ غيره مبطل لكن يمكن أن يكون محقّا ، وبالجملة إنّ مذهب أبي حنيفة أنسب المذاهب ، وأطبقها للسنّة ، وأوفقها بالعقل ، وأرفعها عند الناس ، إنّ مذهبه مختار أكثر الاُمّة بل مختار سلاطينها ، فعليك به تنجى.
 قال يوحنّا : فصاح به إمام الشافعيّة وأظنّ أنّه كان بين الشافعي والحنفي منازعات.
 فقال له : اسكت لا نطقت ، والله لقد كذبت وتقوّلت ، ومن أين أنت والتمييز بين المذاهب ، وترجيح المجتهدين ؟ ويلك ثكلتك أُمّك وأين لك وقوفا على ما قاله أبو حنيفة ، وما قاسه برأيه ، فإنّه المسمّى بصاحب الرأي يجتهد في مقالة النصّ ، ويستحسن في دين الله ويعمل به حتى أوقعه رأيه الواهي في أن قال : لو عقد رجل في بلاد الهند على امرأة كانت في الروم عقدا شرعيّا ، ثمّ أتاها بعد سنين فوجدها حاملة وبين يديها صبيان يمشون ويقول لها : ما هؤلاء ؟ وتقول له : أولادك فيرافعها في ذلك إلى القاضي الحنفي فيحكم أنّ الاولاد من صلبه ، ويلحقونه ظاهرا وباطنا ، يرثهم ويرثونه ، فيقول ذلك الرجل : وكيف هذا ولم أقربها قطّ ؟ فيقول القاضي : يحتمل أنّك أجنبت أو أن تكون أمنيت فطار منيك في قطعة فوقعت في فرج هذه المرأة (29) ، هل هذا يا حنفي مطابق للكتاب والسنّة ؟
 قال الحنفي : نعم إنّما يلحق به لانّها فراشه والفراش يلحق ويلتحق بالعقد ولا يشترط فيه الوطي ، وقال النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » (30) فمنع الشافعي أن يصير فراشا بدون الوطي ، وغلب الشافعي الحنفي بالحجّة.
 ثمّ قال الشافعي : وقال أبو حنيفة : لو أنّ امرأة زُفّت إلى زوجها فعشقها رجل فادّعى عند قاضي الحنفيّة أنّه عقد عليها قبل الرجل الذي زُفّت إليه ، وأرشى المدّعي فاسقين حتى شهدا له كذبا بدعواه ، فحكم القاضي له تحرم على زوجها الاوّل ظاهرا وباطنا وثبتت زوجيّة تلك المرأة للثاني وأنّها تحلّ عليه ظاهرا وباطنا ، وتحلّ منها على الشهود الذين تعمّدوا الكذب في الشهادة (31) ! فانظروا أيّها الناس هل هذا مذهب من عرف قواعد الاسلام ؟
 قال الحنفي : لا اعتراض لك عندنا إنّ حكم القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا وهذا متفرّع عليه فخصمه الشافعي ومنع أن ينفذ حكم القاضي ظاهرا وباطنا بقوله تعالى : ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله (32) ولم ينزل الله ذلك.
 ثمّ قال الشافعي : وقال أبو حنيفة : لو أنّ امرأة غاب عنها زوجها فانقطع خبره ، فجاء رجل فقال لها : إنّ زوجك قد مات فاعتدي ، فاعتدت ، ثمّ بعد العدّة عقد عليها آخر ودخل عليها ، وجاءت منه بالاولاد ، ثمّ غاب الرجل الثاني وظهر حياة الرجل الاوّل وحضر عندها فإنّ جميع أولاد الرجل الثاني أولاد للرجل الاوّل يرثهم ويرثونه (33).

ــــــــــــــــــ
(1) وقد وجدنا مناظرة يوحنا مخطوطةً ( بالفارسي ) في مكتبة آية العظمى المرعشي النجفي ( قدّس سرّه ) ضمن مجموعة تحت رقم : 6154 ، وذكرت في فهرس المكتبة ( الخطّي ) ج16 ص153.
 وقد ذكر هذه المناظرة آغا بزرك الطهراني في الذريعة ج23 ص176 ـ 177 باسم : منهاج المناهج تحت رقم: 8547 ، وقال عنها رحمه الله تعالى : منهاج المناهج في تحقيق المذاهب الاربعة واثبات الامامة على اسلوب اصحابنا ، ليوحنا بن اسرائيل المصري المستبصر ، وكان عند شيخنا النوري هذه النسخة بخط جده الميرزا علي محمد النوري، وهو المعروف بـ‍ ( رسالة يوحناي اسرائيلي ) أو ( كتاب يوحنا ) أو ( إمامت ) أو ( رسالة كلامي ) ولم أدر الى من انتقلت النسخة بعد شيخنا وبما ان وفاة والده كانت في سنة 1264 ، فيكون تاريخ خط جده حدود سنة 1200 ، وذُكر في ص890 و 950 و 997 من ( فهرست نسخه‌هاي خطي فارسي ) 12 نسخة منها ، أقدمها كتابة في مكتبة اميرالمؤمنين ـ عليه السلام ـ ( 770 بالنجف ) ضمن المجموعة المؤرخة ( 17 رجب 1078 ) وأُخرى في ( الملك 2 | 5216 ) كتبت بقلم النستعليق في سنة 1089 ، ونسخة منه مع الترجمة الانجليزية، توجد في المتحف البريطاني (1193 or ) كتبت في القرن الثالث عشر.
(2) بما أن هذه المناظرة ترتبط ببعض هذه المقدّمات التي ذكرها صاحبها لذا نذكرها بمقدّماتها. (3) تقدمت تخريجاته في ما سبق.
(4) انظر : الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 131.
(5) انظر : فرق الشيعة للنوبختي ص 80.
(6) سورة الحجر : الاية 37 و 38.
(7) أورد هذه المناظرة الشهرستاني في الملل والنحل : ج 1 ص 24 ، الالوسي في تفسير روح المعاني ج 8 ص 92.
(8) تقدمت تخريجاته.
(9) ورد الحديث بألفاظ متفاوتة ، انظر : 
 طبقات ابن سعد : ج2 ص1 ح37 وج 2 ص2 ح41 وج4 ص1 ح 47 ، فتح الباري للعسقلاني : ج7 ص87 وج8 ص152 ، كنز العمّال : ج10 ص572 ح30266 ، تهذيب تاريخ ابن عساكر : ج1 ص117 و122 ، دلائل الصدق : ج 3 ص 4 و5 ، الملل والنحل : ج 1 ص29 ، شرح نهج البلاغة : ج 6 ص 52 ، أصول الاخيار : ص 68.
 وأخرجه في البحار : ج 22 ص 466 عن إرشاد المفيد : ص 98 وإعلام الورى : ص 140.
(10) سورة الحج : الاية : 46.
(11) سورة الزمر : الاية 30.
(12) روى نحوه البخاري في صحيحه : ج 5 ص 8 ، وابن الاثير في جامع الاصول : ج 4 ص 470 ح 2075 ، وانظر : فتح الباري فـي شـرح صحيح البخاري : ج 7 ص 21 ، تاريخ ابن الاثير : ج 2 ص 323 ، الملل والنحل : ج 1 ص 29 ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج 1 ص 178.
(13) انظر: ابن‌ الاثير في الكامل في التاريخ : ج2 ص325 ، الشهرستاني‌ في الملل والنحل : ج1 ص30.
(14) تقدمت تخريجاته.
(15) روي هذا الحديث في : طبقات ابن سعد : ج 8 ص 28 ، وصحيح البخاري : ج 4 ، ص 96 ـ 98 وج5 ، ص 25 وص 114 ـ 115 وص 177 وج 7 ، ص 82 وج 8 ، ص 185 وج 9 ، ص 122 بألفاظ متفاوتة ، وصحيح مسلم : ج 3، ص 1380، ح 1759 وانظر : الملل والنحل: ج1 ، ص 31.
(16) وممن روى ذلك ابن قتيبة في الامامة والسياسة ج 1 ص 19 تحت عنوان « كيف كانت بيعة علي ـ عليه السلام ـ ».
 وفيه أنّها ـ عليها السلام ـ قالت لابي بكر وعمر : « إنّي أُشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني ، ولئن لقيتُ النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ لاشكونّكما إليه ». وفيه أيضا : « والله ، لادعونّ عليك في كلِّ صلاةٍ أُصلّيها ».
 ومما لا يخفى على كل مسلم منصف بالنظر الى هذه الاخبار وغيرها أن الزهراء ـ عليها السلام ـ ماتت وهي غضبى عليهم ومن اللازم أن يغضب لها كل مسلم لغضب رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ أيضاً فإذا كان كذلك فبالاحرى أن يغضب لها أولادها وشيعتها ومحبوها.
 قال ابن ابي الحديد في شرح النهج ج 6 ص 49 : قال أبو بكر ( بسنده ) عن داود : قال : أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ونحن راجعون من الحج في جماعة ، فسألناه عن مسائل ، وكنت أحد من سأله ، فسألته عن أبي بكر وعمر ، فقال : أجيبك بما أجاب به جدي عبد الله بن الحسن ، فإنه سئل عنهما ، فقال : كانت أمنا صِدّيقة ابنة نبيّ مرسل ، وماتت وهي غضبى على قوم ، فنحن غضاب لغضبها.
 قلت : قد أخذ هذا المعنى بعض شعراء الطالبيّين من أهل الحجاز ، أنشدنيه النقيب جلال الدين عبد الحميد بن محمد بن عبد الحميد العلويّ ، قال : أنشدني هذا الشاعر لنفسه ـ وذهب عني أنا اسمه ـ قال :

يا أبا الحفص الهويْنَى وما كنت‌*مليــاً بـذاك لولا الحمــامُ
أتموتُ البتول غَضْبَى ونَرضى
‌ماكذايصنع البنـون الكـرامُ


(17) وممن روى ذلك البخاري في صحيحه ج5 ص177 ، كتاب المغازي باب في غزوة خيبر ، بإسناده إلى عائشة قالت : إن فاطمة ـ عليها السلام ـ بنت النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ ارسلت إلى أبي بكر تسألُهُ ميراثها من رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك ومابقى من خُمس خيبر ، فقال ابو بكر : إن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال وإنّى والله لا اغير شيئا من صدقة رسول الله ـ‍ صلّى الله عليه وآله ـ عن حالها التي كان عليها في عهد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ولا عملن فيها بما عمل به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي ـ‍ صلّى الله عليه وآله ـ ستة أشهر ، فلما توفيت دفنها زوجها ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها ... الحديث.
(18) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج16 ص274.
(19) انظر : صحيح مسلم : ج4 ص1903 ح94 ، مسند أحمد ج4 ص332، سنن الترمذي ج5 ص656 ، ح3869 ، المصنّف لابن‌ أبي شيبة ج12 ص126 ، ح12319 ، حلية الاولياء ج2 ص40.
(20) تقدمت تخريجاته.
(21) انظر : تاريخ الطبري ج4 ص227 ـ 241 ، تاريخ ابن كثير ج7 ص144 ـ 146 ، وقد تقدمت تخريجاته بالاضافة الى ماهنا.
(22) وهو ابوذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ من شيعة أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ، وسبب نفيه هو إنكاره على عثمان هباته الاموال لاقربائه وقصة نفيه الى الربذة مشهورة ، راجع : شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج3 ص52 وج 8 ص 252 ـ 262، أنساب الاشراف للبلاذري ج5 ص52 ـ 54 ، الطبقات لابن سعد ج4 ص232 ، مروج الذهب للمسعودي ج2 ص350 ، تاريخ اليعقوبي ج2 ص172 ، فتح الباري ج3 ص213 ، عمدة القاري ج4 ص291 ، مسند أحمد بن حنبل ج5 ص197 ، الغدير للاميني ج8 ص292 ـ 386.
(23) وهو : الحكم بن العاص الاموي ، وقد رويت أحاديث كثيرة في لعنه وذريته فمنها ما روى عن عمرو بن مرّة ، قال : استأذن الحكم على رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ فعرف صوته فقال : ائذنوا له لعنة الله عليه وعلى من يخرج من صلبه إلاّ المؤمنين وقليل ما هم ، ذو مكر وخديعة يعطون الدنيا وما لهم في الاخرة من خلاق.
 راجع : مستدرك الحاكم ج4 ص481 وصححه ، والواقدي كما في السيرة الحلبية ج1 ص337 ، البلاذري في أنساب الاشراف ج5 ص126.
 وكان الحكم يحكي مشية رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ وحركاته فنفاه وطرده ، فلما ولي عثمان أعاده وأعطاه مائة ألف درهم وأقطع ولده مروان فدك وقد كانت فاطمة ـ عليها السلام ـ‍ طلبتها بعد وفاة أبيها تارة بالميراث ، وتارة بالنحلة فدفعت عنها.
 راجع : الملل والنحل ج1 ص19 ، مجمع الزوائد ج5 ص240 ، اُسد الغابة ج2 ص33 ، شرح النهج ج1 ص198 ، فتح الباري ج13 ص9 ، سير اعلام النبلاء ج2 ص107، شيخ المضيره أبو هريرة ص168 ، الغدير ج8 ص241 ـ 267.
(24) تقدمت تخريجاته.
(25) صحيح البخاري ج3 ص25 ـ 26 ، صحيح مسلم ج2 ص994 ح467 وص999 ح469 وص1147 ح1370.
(26) انظر : صحيح مسلم ج4 ص1871 ح32 ، سنن الترمذي ج5 ص596 ح3724.
(27) سورة إبراهيم : الاية 15.
(28) شذرات الذهب ج1 ص168 ـ 169 ، البدء والتاريخ للمقدسي ج6 ص53 ، تاريخ الخميس ج2 ص220 ، تاريخ ابن الاثير ج5 ص137 ، الحور العين لابن نشوان ص190 ، وغيرها. (29) انظر : الفقه على المذاهب الاربعة ج4 ص14 ـ 15.
(30) تقدمت تخريجاته.
(31) أنظر: الاُمّ للشافعي ج5 ص22 ـ 25.
(32) سورة المائدة : الاية 49.
(33) الفقه على المذاهب الاربعة ج5 ص119.