السيد الامام موسى الصدر
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
في الأسابيع الماضية وبمناسبة ذكرى سيدة النساء فاطمة الزهراء (س) تحدثنا بما تيسر عن سيرة فاطمة الزهراء. واليوم، ونحن بين هذه الذكرى الطيبة، وبين ذكرى عزيزة قادمة، ذكرى مولد الإمام أمير المؤمنين (س) بين هاتين الذكريين، نرجع إلى أنفسنا حتى نحاول أن نجد مقدار استفادتنا من هذه الذكرى فيما يعود إلى حياتنا العادية، الحياة التي نعيشها.
نحن ننظر إلى وضعنا، فنجد أن وضعنا غير مُرضٍ، من جميع النواحي: من النواحي الشخصية، ومن النواحي العائلية، ومن النواحي الوطنية، ومن النواحي الاجتماعية، من كل جانب. نفتش عن السبب، لماذا وضعنا غير مُرضٍ، هل نحن أقل شأنًا من الأمم والأقوام والأوطان الذين تحسنت أوضاعهم، وتمكنوا أن يبلغوا درجة عالية من الوضع الاجتماعي، والوضع الخلقي والوضع التربوي؟
الأمم التي عاشت وتعيش في عز، هل نحن أقل في أمورنا العائلية من سائر الناس الذين يعيشون حياة عائلية سعيدة؟ هل نحن جنسنا وعنصرنا يختلف عن عنصر غيرنا من الناس؟ نحن لا نؤمن بالفرق، لأن ديننا صريح في أن البشر سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على الآخر.
كل الناس مثل بعضهم البعض، بمقدورهم أن يكونوا جيدين وبمقدورهم ألا يكونوا. ديننا يقول الأمم والشعوب والفِرَق، اختلافها ليس اختلافًا عميقًا ذاتيًا. لا فضل للأبيض على الأسود، ولا للأسود على الأبيض، كلنا عباد الله، كلنا متساوون أمام الله. ديننا يعلمنا بأن جميع البشر، جميع العائلات، جميع المجتمعات، جميع الفِرَق، كلهم متساوون. فإذًا، لماذا نحن وضعنا ليس بمستوى وضع غيرنا؟ لماذا الفرد منا يتعب ويكدح، فَيُحْرم؟ لماذا مجتمعاتنا متخلفة؟ لماذا بلادنا متأخرة؟
هذه التساؤلات دائمًا موجودة، وربما تؤدي هذه التساؤلات إلى بعض الشك. ربما يدخل في ذهن بعض الأشخاص الذين يدرسون، وضع الشرق ووضع الغرب، يدخل في ذهنهم لعل الإسلام هو سبب تخلفنا؟ لعل التشيع هو موجب هذا الوضع الذي نعيش فيه؟ كلمة تقال، والسؤال يوجه!
يجب أن ندرس هذه الأمور، لعلنا نصل إلى النتيجة. نتيجة ولو كانت جزئية، ولو بدأنا بالخطوة الأولى، لعلنا نتعرف على الطريق، حتى إذا سلكنا هذا الطريق نبلغ النتائج. على ضوء ما قرأنا في سيرة الزهراء (س)، وعلى ضوء ما سوف نقرأ في سيرة الإمام، في هذه الفترة، نفكر: الزهراء! لماذا بلغت إلى درجة سيدة النساء؟ علي! لماذا أصبح في هذا المقام العظيم؟ هل كانت هناك اتكالية في حياتهم؟ فاطمة، هل كانت تقول أني لست بحاجة إلى عمل وسعي ووالدي سيد المرسلين وخاتم النبيين؟ هل كانت تقول أني لست بحاجة إلى عمل وجِدّ؟ ويكفيني ما يصلني من شأن أبي، ومن مقام أبي عند الله سبحانه وتعالى؟
لا! ما كانت تقول هكذا. بالعكس كانت تسمع وتطبق هذا المبدأ، المبدأ الذي اتخذته من كلام رسول الله (ص): يا فاطمة! اعملي لنفسك، فإني لا أغني عنك من الله شيئًا. مجرد استنادك وانتسابك إليّ لا يكفي. هل أنت تشك بأن فاطمة لو كان لها هوية، تذكرة نفوس -طبعًا في زمانهم ما كان هناك تذكرة نفوس- ولكن لو كان لها تذكرة نفوس، هل كانوا يكتبون على تذكرتها أنها: الشريفة فاطمة بنت رسول الله، سيدة أليس كذلك؟ مسلمة، شيعية؟ هل كانوا يكتبونها؟ كانوا ليكتبونها. هل كانت تكتفي بهذه الأسماء والانتسابات والألقاب؟ لا! كانت تقول: أنا مسؤولة عن نفسي، يجب أن أعمل حتى أبلغ الدرجات العالية من الكمال والفضل. وهكذا عملت، فبلغت ما بلغت من المقام العظيم.
نرجع لأنفسنا، نجد أننا بكل أسف، لا أحد غريب بيننا-مني وجرّ بإصلاح الإخوان في لبنان- نجد... نحن، مع كل أسف، اتكاليون. لا نريد أن نحمّل أنفسنا مشقة العمل. نريد أن نعتمد على الغير، على الآخرين في جميع الشؤون. تريد أن أحاسب نفسي وأحاسبك، وأضع النقاط على الحروف. حتى نرى كم هذه الحقيقة صادقة.
نبدأ من البيت الصغير والعائلة. لكل واحد منا بيت وحرمة وأولاد. كثيرون منا، وإن شاء الله نحن لا نكون منهم، يشكون ويتذمرون من فساد تربية أولادهم. كثيرون منا يقولون أولادنا (مش ملاح). صحتهم ليست جيدة. كلماتهم، تلفظهم، لسانهم غير سليم، تربيتهم ناقصة، دينهم ضعيف، صلاتهم قليلة، سعيهم، نشاطهم، تصرفاتهم مع أبيهم، مع أمهم غير جيد، موقفهم الاجتماعي، وعيهم الاجتماعي غير كامل.
كثيرون منا يتذمرون من وضع أولادهم. وهذه مشكلة كبرى لأنه نحن في الحقيقة نعيش قسمًا كبيرًا من تعبنا وجهدنا من أجل أولادنا أليس كذلك؟ وحينما نفكر بالسبب، الواحد منا يحمل امرأته المسؤولية، هي السبب يا سيدي هي لا تربي أولادها. هي لا تعلمهم، هي لا تحكي. هذه فئة.
فئة ثانية تقول السبب المدرسة، يا أخي المدارس اليوم ما فيها دين. صحيح! المدارس ما فيها دين، لا تعلمهم الدين؛ هذه فئة.
فئة ثالثة تقول يا أخي البيئة فاسدة، التيار قائد، العالم كله فساد ماذا أعمل أنا؟ لا أحد، إلا من عصمه الله، أمام هذه الأسئلة يضع سؤالًا صغيرًا بأنه طيب، امرأتي مسؤولة مقصرة، المدرسة مقصرة، المجتمع مقصر! ولكن حضرتي كيف؟ حضرتي مقصر أم لا ؟ ناقد لنفسه، لماذا؟
إن كثيرًا من المشاكل والصعوبات ناتجة عن تصرفاتي. أنا الذي (أسبّ) في البيت. أنا الذي (أعيط) في البيت. أنا الذي لا أصرف وقتًا في تربية أولادي. أنا الذي أفضل أن أقعد في المقهى أو بالسهرة أو بالشارع، ولا أقعد في بيتي قرب أولادي، بالسهرة أحكي معهم. أنا الذي أفضل الزيارات الباطلة وردّ الزيارات (الأبطل)، أفضلها على أولادي وعلى التحدث معهم. كثير منا هكذا. إن شاء الله نحن لسنا منهم ولكن أليس كذلك كثير منا؟
لكن لا أحد منا يفكر أن يوجه السؤال لنفسه بأنه ماذا عملت تجاه أولادي؟ وإذا وجهنا هذا السؤال رأينا الجواب سلبيًا، وتبنا إلى الله، وبدأنا نؤدي واجبنا تجاه أولادنا، هناك أربعة عوامل لفساد الأولاد والتي هي: الأب، والأم، والمدرسة، والبيئة، على الأقل عامل من هذه العوامل الأربعة يتهيأ.
ننتقل إلى الوضع الاجتماعي. تجد أن نحن نشكو من كثير من الأشياء، نقول: يا سيدي، جماعتنا مختلفة متفرقة، وإذا كُلِّفنا بإصلاح ذات البين نسعى لأننا طيبون. نذهب ونسعى بين الناس حتى نجعل الوئام بدلًا للخلاف.
ولكن! هل نحن، كل واحد منا، غير مختلف مع أحد؟ هل نحن إذا نُصِحْنا بالإصلاح مع أخينا وابن عمنا وجارنا وصديقنا، هل نحن نقبل النصيحة؟ أو لا نريد أن نفرض مصلحتنا، ورغبتنا، وإرادتنا على خصمنا، فإذا خضع حينئذ أنا أصل لحقي. أرى الحق معي، وأرى أن الحق والصواب هو وصولي إلى حقي. طيب. إذا كان هكذا! فخصمي نفس الشيء. الخصم أيضًا يعرف أن الحق معه والصواب وصوله إلى الحق. فإذًا، لا يلتقيان، لا نلتقي أبدًا. فماذا طلبنا من الآخرين؟ لماذا الصلح جيد للآخرين ليس جيدًا لنا؟ سؤال! لماذا لا نوجه هذا السؤال لأنفسنا؟
نقول بلدنا وسخ، شوارعنا وسخة، طيب. البلدية مقصرة، الحكومة مقصرة، كل هذا صحيح وأكثر من صحيح. ولكن هل أنت شخصيًا وأنا شخصيًا، هل نحن لا نساعد في توسيخ البلد؟ ألا نرمي الأوساخ في الشارع؟ إذا كان عندك سيجارة ألا ترميها في الشارع؟ ألا تبصق في الشارع؟ ألا ترمي الورقة في الشارع؟ أو ترميها؟ إذا رميتها فغيرك مثلك؟ هل أنت بدورك تريد تنظيف البلد؟ هل أنت تكلّف ابنك أو بنتك أو أنت تسعى لتنظيف القطعة التي مقابل بيتك أو لا؟ سؤال! لماذا التنظيف واجب على الآخرين غير واجب عليك أنت؟ نريد أن الآخرين يعملوا من أول الشوط إلى آخره.
نأتي إلى المشاكل العامة، نحن اليوم نعيش في حالة ضيم. لا شك، نحن العرب، نحن المسلمون، نحن الشرقيون سمّنا ما شئت نحن نعيش في حالة من الذل والهوان، لم تصل إليها أمة من الأمم.
لماذا لا نحارب؟ من يجب أن يحارب. الزعماء؟ العسكريون؟ القادة؟ الفدائيون؟ هل أولئك عليهم أن يحاربوا ونحن نقعد؟ ماذا قدمنا نحن تجاه هذا الواجب؟ ماذا علينا نحن؟ ماذا عملنا؟ ماذا دفعنا؟ ماذا سعينا ؟ كل واحد منا؟
نعم! نحن حسب الاصطلاح المعروف الذي صار معروفًا في حرب حزيران، نحارب بالترانزستور، الراديوات الصغيرة على آذاننا، أو في المقاهي أو في البيوت نسمع الأخبار، أخبار الحرب ونفتي من عند أنفسنا، والله أريد فلانًا أن يعمل كذا! فلان منيح! فلان خائن! فلان خادم... نصنف الناس خونة، ونحن رأس الخيانة، لأنه رأس الكسل والتنبلة، هذه ليست حياة. أنا ماذا عملت؟ أنا مطالب بأي شيء؟ في جميع الحقول هذا الشعور موجود. يجب أن يعمل الناس خيرًا، أما أنا لا. ويجب على الناس أن يساعدوا الفقراء، أنا لا. يجب على الناس أن يهتفوا، وأنا لا. يجب على الناس أن يحاربوا، أنا لا. يجب على الناس أن يربوا أولادهم، ينظفوا شوارعهم، يطالبوا بالمشاريع العامة، يحاسبوا الحكومة، يصوتوا للناس الطيبين، أنا لا. يجب على الناس أن لا يشهدوا زورًا، أنا لا. يجب على الناس أن لا يظلموا، أنا إذا ظلمت فلا بأس. هذا غير ممكن: ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى* وأن سعيه سوف يرى﴾ [النجم، 39-40]. كل واحد منا، كل شخص منا، ماذا يعمل؟ قدر ما يعمل له وجود، له حياة. وقدر ما يعمل عمله يُرى. ويظهر ولا يُنسى.
فإذًا، من دون أن نفلسف، لأنه الحمد لله كلنا نقدر أن نفلسف، ونعلق ونفسر، ونبحث وأنا أكثر منكم. من دون ما نحكي في هذه المسائل، نبدأ حالًا بأنفسنا، ما هو واجبي لإصلاح شأني؟ لإصلاح لبسي؟ لنظافة جسدي؟ لنظافة لساني من السب والغيبة والكذب؟ لنظافة قلبي من الحقد والكره والعداوة والتهمة؟ أبدأ من نفسي.
ما هو واجبي تجاه أولادي؟ نصف ساعة؟ ساعة؟ الساعة التي أتنزه فيها أو أجلس في المقهى وأروح زيارة، وأستقبل زوارًا، وكله باطل وهراء، بدلًا من كل هذه المسائل، أجلس قرب أولادي، يا حبيبي! يا أخي! يا ابني! يا ابنتي! أنا أكبر منك، تجربتي أكثر منك، هذا الطريق، هذا الخط، هذا جيد، هذا غير جيد، بلطف، برقّة، ساعة في النهار.
امرأتك غير جيدة؟ أية امرأة؟ ما لك أنت وامرأتك؟ إنها لا تُرى إلا وهي تخدم وتطبخ وتنفخ وتشتغل وتصرخ، وتتخاصم مع الأولاد، وآخر الشوط أنت غير راضٍ عنها؟ أية امرأة هذه؟ إنها امرأتك! هذه خادمتك!؟ هذه أمَتك!؟ متى اشتريتها أنت؟ بدلًا من كل هذا التحميل والثقل، قليلًا من التخفيف، قليلًا من الشكر، قليلًا من التقدير، قليلًا من الترحم والإنصاف. مقابل هذا، هي ليس لها حق أبدًا أن تنظر هنا وهنا! أما أنت لك حق أن تذهب أينما تريد؟ ما هو الفرق يا أخي؟ أنت تطلب من امرأتك أن تكون وصية عفيفة، وأنت لا تريد أن تكون وصيًا عفيفًا؟ لماذا؟ لأي سبب؟ أليس حرامًا عليك، ولكنه حرام عليها؟ أنه حرام على الجهتين. أنت ماذا تقدم؟ وماذا تفعل؟ هذا في الحقل الاجتماعي، وهكذا في كل شيء.
نأتي إلى الجامع، الله يسهل عليه أحد الشباب ذكرني نجد أن الجوامع غير منظمة، فيها فوضى، فيها حكي، فيها لغو. وهذا شيء مكروه في المسجد، منافٍ لشأن المسجد، منافٍ لاحترام المسجد. لكن بينك وبين الله، واحد يدخل، واحد يغلط، واحد يحكي كلمة، واحد يقترح اقتراحًا، فورًا كل واحد منا يريد أن يحكي كلمته. أنا عندما أحكي، وأنت تحكي وهو يحكي تحدث فوضى. ما الفوضى؟ الفوضى أن هناك واحد يسّب ويلعن، كلا لا أحد يسبّ ويلعن. الفوضى من أين تأتي، واحد يريد أن يدخل من هنا أو واحد يغلط غلطة، أو واحد يقول: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾ [الأحزاب، 56] قبل ما أنا أسلم. كل واحد يريد أن يعترض. عندما كل واحد يعترض تصبح فوضى. كل واحد يريد أن يكون تنظيم المسجد على عاتق الآخرين، وليس على عاتقه.
هناك فقراء في البلد، أنا أستعرض ألوف من الأمثلة، لكن غير متذكر لكل الأمثلة، ولا يمكن أن نتكلم في حقل واحد، هناك فقراء في البلد، في الضيعة، في المدينة هل الفقراء يجب أن يموتوا؟ أين هم الأغنياء، أين هي الجمعية؟ أين السيد موسى؟ أين فلان؟ أين فلان؟ حسنًا، وحضرتك؟ حضرتك يروح الجابي لعندك 50 مرة من أجل أن يحصل منك على ليرة واحدة. تقول له (روح وتعال بكرة، روح وتعال بكرة)، حتى تزهّق أي جابٍ. كل واحد يترك عمله ويروح يفل. فكيف يدفع الشخص؟ كيف يمكن لواحد منا أن يصبح مديونًا بأكثر من 50، و60 ألف ليرة، ويتدهور تحت الحياة وتحت أثقال الحياة والآخرون يتفرجون هكذا! لا يجوز هذا! على كل إنسان مكلف أن يؤدي واجبه، وبعدها يطالب.
وهكذا، الأمثلة الكثيرة الكثيرة، ننتقد الآخرين ونحن في النقد واقعون. وإذا عملنا، وإذا بدأنا من أنفسنا، وإذا سعينا أن نبدأ من أنفسنا، بالنسبة إلى شخصنا وبالنسبة إلى أولادنا، وبالنسبة إلى مجتمعنا، وبالنسبة إلى أمتنا، أتعرفون ماذا يصير؟ إذا أنا بدأت بنفسي، أولًا أكون أديت الواجب وثانيًا أصبحت مثلًا. من كثرة ما نصحنا وما عملنا لا أحد يرد. إلا يصير النهي عن المنكر تجاه الناس؟ كل واحد منا يقول الكذب قبيح، ولكن لماذا لا أحد يسمع؟ لأنه أنا أكذب. كل واحد منا يقول: يا جماعة! لا يجوز أن تكون البنات هكذا سافرات، حرام هذا، هذا لا يرضي الله، هذا يكسب سخط الله، هذا يزعج البلاد، هذا يخرب العائلات، هذا له مفاسد ليس لها من آخر وإذا تريد أن تعرف أكثر، شرف لعندي نصف ساعة وتسمع المشاكل العائلية. حسنًا أنا أقول كل هذا وفي نفس الوقت ابنتي سافرة؟ ماذا تريد أكثر من ذلك؟ هل من الممكن أن يستمع لي أحد بعد هذا؟ أكيد لا! ولكن إذا أنا طبقت هذه الأمور على نفسي قبل الآخرين، أصبح مثلًا لساني يصبح قويًا ومنطقيًا ومسيطرًا على الآخرين.
يقول رسول الله (ص) لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، والناهين عن المنكر الفاعلين به. لماذا؟ لأن هؤلاء يضيعون قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن هؤلاء يفسدون الناس. أنا عندما أراك متحمسًا لمصلحة عليا، وأنت في العمق غير هذه المصلحة، أقول أن كل من يطالب بمصلحة عامة، كل من يتحدث بالمصلحة العامة، يتاجر. اللفظ لا قيمة له. والنصيحة تسقط من الاعتبار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يقبلان لماذا؟ لأنه نحن أمتنا هذه الآلات التي كانت لإصلاح المجتمعات من كثرة ما قلنا وما عملنا. ربَّ تالٍ للقرآن، والقرآن يلعنه. الآمرون بالمعروف التاركون له، والناهون عن المنكر الفاعلون به، هذا ما نتيجته؟
نتيجته أنه لا القرآن له تأثيره، ولا الأمر بالمعروف له أثره، ولا النهي عن المنكر له أثر، ولا المصلحة ولا الموعظة، أبدًا.
أما إذا كنت عاملًا بما أعلم على الأقل، ليس فقط أقدم إنتاجي وسعيي وخيري وخدماتي للآخرين، وإنما أصبح نموذجًا. أنت إذا ابنك وجدك في أشد الحالات لا تسب، في أزعج الحالات تصلي، في أشد الحالات لا تخرج عن الاستقامة، موزون، لا تكذب، فابنك بطبيعة الحال يكبر على هذا الشيء، وينمو على الصلاح، وعلى التقوى من أول يوم. ثم يسري هذا على الآخرين. الخير مثل النور. جرب مرة يا أخي. جرب مرة تقعد في مجلس، الناس يلغون ويغتابون، يحكون على هذا وذاك، ويهزأون من هذا وذاك. أنت أسكت! حاول إمنع مرة ومرتين وثلاثة، تجد أن الآخرين أيضًا بالتدريج يرغبون إلى مثل هذا النوع من المواقف. على هذا الأساس، الإنسان الذي يؤدي دوره ويقوم بواجبه، ليس هو فقط يصلح نفسه، إنما يصلح الآخرين، وأيضًا يتعلمون منه.
وبعد ذلك كله، إذا صلحوا أو ما صلحوا، أنا (عايش) في هذه الدنيا، 20، 30 سنة على الأكثر بعد هذا اليوم ولكن كم أعيش في الخلود؟ في الجنة أو النار؟ كم أعيش في القبر؟ كم أعيش بين يدي الله؟ مئات وألوف السنين وأكثر! خلود. إذا سمع مني أحد أو ما سمع، ما هو أثره؟ لأعمل أنا! لأؤدي واجبي، أبني مستقبلي، خلودي، جنتي. أبتعد عن النار. سمعوا مني أو ما سمعوا. نحن عمرنا محدود، كم سنة! هل هناك أحد يضمن أنه غدًا سيكون حيًا؟ هل هناك أحد يشك بأن -حسب تعبير الإمام- كل لحظة، كل ساعة، كل دقيقة نحن نقترب إلى الموت خطوة؟
فإذًا، نحن سائرون في هذه الطريق، وسائرون وسينتهي، العمر ينتهي، فإذا عملنا الخير تكون لنا النتيجة، ويكون لنا النجاح، أمّنا الحياة الخالدة. أما إذا ما عملنا فخسرنا.
فإذًا، المشكلة مشكلة الاتكال على الآخرين نحن نتكل على الآخرين ولم نكتفِ بالاتكال على الآخرين، فتشنا ووجدنا روشاتات جديدة، الاتكال على الله، الاتكال على النبي، الاتكال على الإسلام، الاتكال على علي بن أبي طالب. ما دخلني بعلي بن أبي طالب أنا؟ أهناك شبه بيني وبينه؟ أبدًا! فإذًا، أنا عندما أكتب في الهوية شيعي كذاب. ما دخلي بمحمد بن عبد الله؟ محمد يقول لابنته: أنتِ إذا ما عملتِ لستِ ابنتي، لا أقدر أن أفيدك يوم القيامة. هل يقدر أن يفيدني أنا وأنت لأنه في هويتنا مكتوب مسلم؟ أبدًا! ما دخلي أنا بمحمد بن عبد الله؟ ما الشبه بيني وبين محمد بن عبد الله؟ أي شبه؟ بلفظي؟ بقولي؟ بمشيي؟ بسيرتي؟ بمعاملتي؟ بأدائي لواجبي؟ ما الشبه بيني وبينه؟ أي دخل بيني وبين الله؟ أنا المقبل عليه أمس، المعرض عنه. أنا أعرض عن الله! يطلبني فلا أجيب، يسألني فلا ألبيه، يمد يده إليّ فلا أرد. أبدًا.
ما الشبه بيني وبين الله؟ ما دخلي أنا مع الله؟ ما رابط الله معي؟ الاتكال على الله كما قلت، ليس معناه أني أترك وأقول الله يعمل! لا! الله لن يعمل. أنا أعمل والله يبارك، ويزيد، ويقبل ويوفق. هذه هي الصلة، إعمل واطلب، إعزم وتوكل: ﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾ [آل عمران، 159]، كما يقول القرآن الكريم.
إخواني،
لا أخالف ما أقول، وأكتفي بهذه الكلمة، نصيحة في هذا الوقت المبارك، وفي هذه الساعة المباركة، لنفسي ولكم. كل مشكلاتنا تبدأ من عند أنفسنا، كل مشكلاتنا. نحن إذا عملنا، نحن إذا كنا صادقين في دعوتنا، صالحين في عملنا، في لساننا، في قلبنا، في سيرتنا. إذا نحن بدأنا من عند أنفسنا هذا هو الحل لكل المشاكل. هذه هي القاعدة لجميع النشاطات والأعمال، والتقدم في حقلنا الفردي والعائلي والاجتماعي والأممي جميعًا. هذا هو الدين، لماذا نريد أن نحكي هنا وهناك؟ نحن نعرف الكثير من الدين، نحن نعرف الكثير من الشؤون الإنسانية، نحن نعرف الكثير مما يرضي الله، نحن نعرف الكثير مما يغضب الله، ويزعج الناس. لنعمل! لماذا نطلب من الآخرين أن يعملوا؟ فلنبدأ بأنفسنا.
هذه كلمة عامة عابرة ومخلصة إن شاء الله. فإذا أردت يا أخي الوصول إلى أهدافك وحل مشاكلك، إبدأ بنفسك من دون ما تحكي، من دون ما تطلب من الآخرين. إبدأ واطلب. أمثلة كثيرة كثيرة، وأنت أخبر بها.
وفقنا الله جميعًا.
والسلام عليكم.