إن الاختلاف في وجهات النظر، الاختلاف في التعاطي السياسي، لا يعني لزومية اشعال الحرب والعمل على أيقونة “إما أن تكون معي وإما ضدّي”، فهذا المفهوم غير سليم منطقياً، غير مقبول سياسياً، وأيضاً غير مقبول شرعياً، لم نفقه أن هذه الأيقونة أو الشعار موجود في الديانة الاسلامية ولا الديانة المسيحية، فالقرآن الكريم يُخاطب:”قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم”(آل عمران/64)، هذه الآية تتحدّث عن علاقة المسلم بالمسيحي، فكيف بعلاقة المسلمين بين أنفسهم!؟
بدايةً، هذه الحياة ومفاصلها كثيرة، والناس الذين يختلفون، طبيعياً هذا، يؤدي إلى نتيجة وهي اختلاف الأفكار باختلاف عقول الأشخاص، باختلاف طريقة نظرتهم للأمور، لذا تكون هناك وجهة نظر لفلان، ووجهة نظر لآخر، وجهة نظر سياسية لحزب فلاني، وجهة نظر سياسية لحزب آخر مختلفة أيضاً، وأحياناً الاختلاف يسبب هوّة بين الأحزاب السياسية، وهذه وظيفة الأحزاب؛ الاختلاف والتنوّع والتغيير، فإن كانت الأحزاب ذات وجهة نظر واحدة، ويد واحدة، وأفكار واحدة، لماذا هناك أحزاب؟ فليكتفوا بحزب واحد.
إذاً طبيعة البشر يختلفون في وجهات نظرهم، ولكن الأهم والمهم، ماذا؟ المصلحة، أي ما مصلحة الاختلاف؟ إذا كان الاختلاف لمجرّد الاختلاف، فلا نريده، وإن كان الاختلاف لمصلحة الفرد الحزبي، فلا نريد هذه المصالح الضيقة، التي لا تسعفنا في رقيّ الوطن وازدهاره، ولو كان الاختلاف لمصلحة الوطن والمواطن، كل مواطن، هذا الاختلاف المرجوّ والذي نطمح له ونريده، الاختلاف الذي يبني والمواطن يحصد الخير منه، الاختلاف الذي نتيجته دولة راقية وحكومة صالحة، وشعب واعٍ، الاختلاف الذي يمزّق الدولة ويعطّل الخدمات الحكومية ويشتّت الشعب، مرفوض، لأن العقل يستقبح هذه الأفعال.
إذاً نحنُ بحاجة لنعرف جيّداً معنى الاختلاف وجدوى الاختلاف، أهمية الاختلاف، أنا لدي وجهة نظر في هذا الوضع الاقتصادي، مثلاً وجهة نظري اشتراكية، وأنت لديك وجهة نظر أخرى معاكسة تماماً، تتمنى نظاماً رأسمالياً، طيب من حقكَ وحقّي، لنتحاور حول الوضع الاقتصادي، ونقوم بدراسة تحليلة تطبيقية، نبحث في الأصلح للدولة، والامكانيات الموجودة ونبحث في الحلول جيداً، لأن مسؤوليتي تتعدى شخصي، تتعدّى منزلي، تتعدّى مصلحتي، تصل إلى كل منزل، كل مواطن، كل بقعة بأرض الوطن، حتى الميزانية العامة تتأثّر، فالدراسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، تحتاج متابعة من جميع الأطراف، جميعنا نتشارك الأفكار والمقترحات، ليكن فكرك أوسع من الحزب، من نظريتك الخاصة، تطلّع للأمام، للوطن.
أحياناً، تتعصّب لدراستك وترى أنها هي المثاليّة والأصلح للدولة، دراستك مبنيّة على أسس معيّنة، على سبيل المثال الأساس الذي قامت عليه الدراسة هي الديموقراطية، وأخذت مثلاً بلجيكا أنموذجاً، والدراسة تحدّثت عن شكل الدولة ونظامها ومؤسساتها وأيدولوجية عملها، ربّما غفلت في دراستك عن وضع الشعب، معتقدات الشعب، ثقافة الشعب، لأنك في هذه الحالة غفلت عن الأوضاع الاجتماعية وركّزت على الأوضاع السياسية، كذلك ربّما تناسيت الأمور التاريخية، كيف تكوّنت الدولة؟ وما هي المراحل التي مرّت بها؟ بعض الدول أُفرزت نظام من رحم حدث تاريخي معيّن، لا يمكن قيام نسخة لهذا النظام في دولة أخرى، لأن الأنظمة تمثّل أيديولوجية خاصّة بها، بتاريخها، بشعبها، بأرضها.
يجب علينا إذاً أن ننبذ التعصّب المبني على الأهواء والرغبات الشخصية والفئويّة، ونتطلّع إلى التقارب والتحاور قدر الاستطاعة، لنحفظ كرامتنا، لنحفظ دماؤنا، لنحفظ بلادنا من الفتن والأزمات، المرونة مهمّة سياسياً، فالسياسي الناجح هو المرِن المُنفتح على الطرف الآخر، أو الأطراف الأخرى، دائماً الشركات التجارية الكُبرى فيها أكثر من شريك، لأن العقول إذا اتحدّت صنعت الخير، صنعت الفائدة، فما نتمنّاه من السياسيين أن يصنعوا الخير، أن يصنعوا السلام، وأن يصنعوا الأمن والأمان.
قال الشاعر:
“يا بلدي الأجملَ يا بلدي // يـرعــاك اللهُ إلـى الأبـدِ
سأصونك في يومي وغدي// كي تبقى حرّاً يا بلدي