الأحد، 9 فبراير 2014

رؤية السيد الرئيس بشار الأسد للنظام الدولي

رؤية السيد الرئيس للنظام الدولي

أولاً ـ النظام الدولي الجديد:
أعلن السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد في خطاب القسم "احترام حقّ الشعوب في تقرير مصيرها بالشكل الذي يضمن تحقيق مصالحها الحيوية، بينما خرقت الولايات المتحدة الأمريكية بتماهيها مع الشرعية الدولية (الأمم المتحدة) قاعدة الاحترام المتبادل والتعاون البناء وصيانة الأمن والسلام الدوليين، عندما مارست التهديد المستمر وجور الظلم والحصار إلى حدّ الاحتلال في أفغانستان والعراق وغيرهما إخضاعاً لهذه الدول ولمبادئ الشرعية الدولية مما زاد من "الصراعات وبؤر التوتر"، ومنها ممارسة الضغوط على سورية لإخضاعها للهيمنة الأمريكية واستهدافاتها المروعة على العرب والمسلمين، وتكشف تصريحات الرئيس الأمريكي بوش، في ألمانيا في 13 تموز 2006، عن فضائح السياسة الأمريكية.
كان خطاب الرئيس في مؤتمر القمة الإسلامية (قطر 12/11/2000) استبصاراً جلياً للمخاطر المحدقة بالأمة العربية من استتباب الهيمنة الأمريكية وتماهيها الذي يكاد يكون مطلقاً مع الشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة إزاء حدة التناقضات في منطقتنا وفي مناطق أخرى كثيرة من العالم حيث التغطية على العرب والإسلام بوجوه أمريكية بلقاء، خداعاً وتضليلاً وتزييفا للحقائق، لا مجال فيها لموشور الأبعاد الإنسانية ولو كانت ذرائعية للتفاهم أو التعاون الدولي لتتحكم الولايات المتحدة بالعلاقات الدولية ألواناً سوداء فاقعة في سبيلها للتغطية على صفاء الرؤية المستقبلية ونقائها:
«إن الخطر أصبح داهماً، واقترب كثيراً من نقطة التفجير الشامل للوضع المهيأ أساساً للانفجار، وفي الفواصل الزمنية بين مؤتمراتنا كنا نشهد المزيد من إزهاق الأرواح في منطقتنا، ونرى الأمة العربية والإسلامية تضيف إلى رصيدها المزيد من الفقر والجوع، والكثير من الظلم والاضطهاد كما رأيناها تبتعد أكثر فأكثر عن هويتها، حتى تكاد تذوب في هويات الآخرين، وفي المقابل كانت دول أخرى تزداد طغياناً واستغلالاً، ويُشرِّعن قتلها وتدميرها للغير، مما أدى على تزايد شدة التناقضات والمفارقات في مناطق مختلفة من العالم».
ثم جاءت أحداث 11 أيلول 2001 لتضع وهم النظام الدولي الجديد على المحك، ولتكشف الشهوة الأمريكية المستحكمة في استتباب الاستتباع من خلال آليات متعددة تأخذ صيغة العولمة التي ما تزال تتشكل مفهوماً لأمركة العالم وهيمنتها على المعمورة، واستمرت الولايات المتحدة بإشهار سياساتها العدوانية الظالمة في مسائل مشكوك في مصداقيتها الأمريكية بالذات كالاستخدام الباطل لسجل الإرهاب أو سجل حقوق الإنسان، إذ ولغت في الإرهاب والتنكيل الإنساني بشكل مباشر في تحالفها في الحرب على أفغانستان، وبشكل غير مباشر في دعمها المطلق للإرهاب الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني واللبناني، ولعل أحداث النصف الأول من تموز 2006 في المجازر الإسرائيلية الكثيرة ضد الفلسطينيين في غزة بخاصة، وفي الغارات العدوانية العديدة ضد اللبنانيين التي وصلت إلى قصف البنى التحتية، من مطار بيروت إلى الجسور ومحطات الكهرباء ومنازل المدنيين، والجريمة الوحيدة للشعب العربي في فلسطين أو في لبنان، المحاطة بعدوان إسرائيل المدعوم من أمريكا، هي أنه يريد أن يعيش بسلام على أرضه، ولذلك طالب الرئيس الأسد الأمريكيين بدور أمريكي حيادي في المنطقة، فلدى استقباله وفد الكونغرس الأمريكي في 15/1/2002/، دعا الأمريكيين إلى تحليل أسباب فشل العملية السلمية مؤكداً على أهمية أن تقوم واشنطن بتكوين صورتها المستقلة عن واقع المنطقة، وأن تكون ضد القتل أياً كان فاعله.
رهن الرئيس مفهوم النظام الدولي بالعولمة، وميزها عن العالمية، ورأى أن إيجابية العولمة في استنادها إلى "ما استند إليه الإسلام من العدل والمساواة إضافة إلى مبادئه السمحة الأخرى"، معولاً على البعد الحضاري للنظام الدولي الجديد الذي ينبغي أن ينهض على تثمير المنظومة القيمية الباقية في تراث الإنسانية جمعاء، رافضاً الاستتباع وسياسة الإملاء الأمريكية:
«أما ما نراه اليوم، وما عشناه خلال السنوات القليلة الماضية، فهو ليس نظاماً دولياً، بل هو نظام دولة أو بضع دول على هذه الكرة الأرضية، أما ما تبقى منها فهو دول سابحة في هذا النظام الغريب. بعضها يعوم على السطح بصعوبة، وعليه أن يثبت وباستمرار حسن النيات والطاعة والالتزام، ومع ذلك فهو دائماً مخطئ ومطلوب منه أن يكفر عن ذنوبه، وبعضها الآخر غارق في القاع إلى أجل غير مسمى. وأصبح كل ما يتماشى مع رغبات تلك الدول الكبرى ديمقراطية وعدلاً، وكل ما يحقق مصالحها هو حقوق إنسان وحضارة بشرية».
شخّص الرئيس أمراض النظام الدولي الجديد في مسألة شديدة الوضوح هي "غياب التوازن في عالمنا الحالي، وهذا التوازن المقصود ليس بالضرورة ذا طبيعة اقتصادية أو عسكرية، بل هو توازن قيم وأخلاق ومفاهيم، وهو توازن عدل وإنصاف بين الشعوب والأمم، بين العرب والشرق، بين الشمال والجنوب".
إن النظام الدولي الجديد يفتقر إلى القيم الإنسانية التي هي سند العولمة ورافعتها الإيجابية والفعالة في مجانبة الشرور مما يشكّل نسيج الدعاوى الأمريكية الجائرة بحقّ ثلاثة أرباع سكان المعمورة، وقد نادى الرئيس أسياد العولمة إلى التفطن لجوهرها في حديثه إلى بعثة صحيفة البايس الإسبانية 1/5/2001: ووجد أن "حضارة الأندلس تدعونا لكي نبحث عن إنسانيتنا بالدرجة الأولى ومن دون هذه الإنسانية لا نستطيع أن نحقق العولمة الصحيحة التي نسعى إليها".
هذا هو درس الحضارة العربية في الأندلس التي حققت "اندماجاً حضارياً كان من المستحيل التوصل إليه دون أن ينشأ حوار بين الحضارات نطالب به اليوم، لأنه يؤدي إلى تآخي الحضارات، ومن ثم إلى اندماجها، مما يسمح لنا أن نتجنب الوصول في المستقبل إلى عولمة شاذة، مبنية على إلغاء أو تهميش الثقافات، وأن نحقق العولمة السليمة التي تبنى على مساهمة كل الشعوب في العمل لتحقيق هدف الوصول إلى مزيج حضاري متجانس، يرتقي بالإنسانية إلى الأعلى".
رأى الرئيس أن معوقات النظام الدولي الجديد تكمن في السياسة الأمريكية التي لا تخدم سوى استتباب الاستتباع للولايات المتحدة في منطقتنا وفي العالم، ولا يمكن أن يتحقق تقدم في مسار عملية السلام أو حوار الحضارات دون احترام حقوق الشعوب كما في كلمته أمام مؤتمر القمة العربية (عمان 27/3/2001):
«أدعو الإدارة الجديدة في الولايات المتحدة للاستفادة من أخطاء الماضي بشكل عام ومعرفة أنه لا يمكن تجاوز الشارع العربي في القضايا التي تمسّ حقوقهم وكرامتهم».
إن مواجهة الخلل في النظام الدولي الجديد تتحدد في مبادئ رئيسة جلية في رؤيته، وهي:
تثمير المبادئ الإنسانية في العلاقات الدولية، "فالإنسانية بمعناها الحقيقي ومضمونها الأصيل لا تحدّها حدود، ولا تفرّقها أجناس أو شعوب" (من كلمته في حفل افتتاح معرض من دمشق إلى قرطبة بحضور الملك خوان كارلوس 3/5/2001)، وأوضح أن مضمون الخطاب أمام قداسة البابا" كان حول المبادئ الإنسانية، مبادئ العدل، رفض تعذيب الآخرين، مكافحة الغدر والخيانة" (من حديثه إلى صحيفة لوفيغارو الفرنسية 22/6/2001).
تثمير الماضي المشترك بين العرب والغرب، وهو عريق وضارب الجذور في القدم، فقد اتسمت شعوب الحضارة العربية والإسلامية" بالتسامح والانفتاح العقلي والمرونة الفكرية وبالميل للعيش بسلام مع الشعوب الأخرى، وهذه المواصفات الإنسانية المتميزة كان لها أثر إيجابي وكبير في الحضارات التي تلتها" (من كلمته مع افتتاح معرض من دمشق إلى قرطبة).
وهذا ما أكده أيضاً في كلمته الترحيبية بقداسة البابا، فسورية وطن الإنسان" الذي احتضن أقدم حضارات العالم، وكان منارة من منارات المعرفة أضاءت للبشرية خلال قرون كثيرة، كان العالم خلالها في معظم بقاعه يسترشد بنورها".
تثمير حوار الحضارات فاعلية في تعزيز النظام الدولي الجديد القائم على احترام الشرعية الدولية والعدالة وحقوق الشعوب ومشاركة دول العالم كافة، ولاسيما تصحيح المفاهيم المستخدمة والمغلوطة في التعامل الأمريكي مع دول العالم، مثل التفريق بين المقاومة والإرهاب، إذ "لا يجوز أن توصف المقاومة من أجل تحرير الأرض نضالاً في مكان ما وإرهاباً في مكان آخر"، وأوضح أن مفهوم الإرهاب "هو عبارة عن أداة ضغط، ولكنها غير فعالة" (من حديثه إلى جريدة الشرق الأوسط اللندنية 7/2/2001).
صون الحقوق القومية، لأننا "متمسكون بمرجعية عملية السلام" (من رسالته إلى قواتنا المسلحة 1/8/2004)، "ولأننا جميعاً نرفض استخدام القوة كمبدأ لحلّ الخلافات أو القضايا السياسية الموجودة في العالم أو أية قضايا أخرى "(من محاضرته في معهد موسكو للعلاقات الدولية، جامعة ماغيمو 26/1/2005).
لقد أظهرت سياسات سورية حرصها على حقوق العرب المعاصرين، عندما كشفت على الدوام أبعاد الضغوط الأمريكية واستفزازاتها، وما تواجهه من مؤامرات وتهديدات علنية بسبب تمسكها الطبيعي بالحقوق العربية المشروعة، ودفاعها عن قضايا الأمة، ورفضها الإملاءات والاشتراطات المروعة للوجود العربي وللكرامة العربية، وعندما نمعن النظر في جلسات مجلس الأمن الأخيرة ندرك فداحة الظلم الأمريكي على العرب بعامة وعلى سورية بخاصة.
ولا يتاح تصحيح هذه المفاهيم المستخدمة والمغلوطة ما لم تكشف التغطية على العرب والإسلام بفضح الخداع والتزييف والتضليل فقد أُتهم العرب بمعاداة السامية، وهم ساميون، وثمة من "تبين المعايير المزدوجة مستخدماً منطق القوة والصلف بدلاً من قوة المنطق والحقّ، ولكن كلّ هذا لا يلغي الحقائق، ولا يغير من قناعة الشعب العربي بهذه الحقائق" (من كلمته في وداع قداسة البابا 8/5/2001).
أكد الرئيس في كلمته بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس الجيش العربي السوري "أننا في سورية دعاة سلام حقيقي يحقق العدل والأمن والخير للجميع سلام حقيقي عادل وشامل تحكمه قرارات الشرعية الدولية ومرجعية عملية السلام، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقبل كل ذلك تحكمه الرغبة في السلام، لأن من لا يرغب/ في السلام يضع كل العقبات التي تحول دون تحقيقه، كما هي حال إسرائيل ومن أنحاز إليها" (1/8/2005)
إن جوهر منظورات الرئيس للنظام الدولي الجديد هو انتشار محبي الحرية ودعاة السلام أن يوحدوا جهودهم، ويعززوا تضامنهم لصّد الهجمة المعادية والمتصاعدة التي تستهدف هويات شعوب عديدة ومصالحها ومستقبلها، وأفاد في رسالته إلى مهرجان الشباب في كراكاس (11/8/2005)، أن الأرض الفلسطينية تقضمها إسرائيل أولاً بأول، وأبناء الشعب الفلسطيني يتعرضون للقتل والتجويع والمحاصرة، وإسرائيل ماضية في غيها بدعم الإدارة الأمريكية مستهترة بالشرعية الدولية وقراراتها، وبكل المبادئ التي تضمنها ميثاق الأمم المتحدة
عندما نمعن النظر في تصريحات الرئيس نلاحظ بعمق مدى الأضرار والمخاطر والضغوط في الاستهدافات الأمريكية للعرب والمسلمين بعامة ولسورية بخاصة، مثل اتهام الحكومة الأمريكية للعراق بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل عن غير حّق، وأوضح الرئيس الإضعاف الأمريكي لإنجاز السلام منذ إطلاق العملية السلمية في مدريد عام 1991، ما جعل الحكومة الإسرائيلية غير جادة " بشأن عملية السلام " (من حديثه لمحطة CNN الأمريكية حول الأوضاع الإقليمية والدولية 12/10/2005)، ونادى العوامل الخارجية أن تتعلق بعملية السلام والاستقرار في المنطقة العربية، لأن الأمة العربية تتعرض بشكل عام وسورية بشكل خاص لحملات في السنوات الأخيرة، " ومكمن خطوراته أنه يستهدف البنية المعرفية والنفسية والمعنوية للإنسان العربي في إطار حرب إعلامية وثقافية ونفسية تتركز على أجيالنا الشابة بصفة خاصة بهدف فصلهم عن هويتهم وتراثهم وتاريخهم.. وجعلهم يفقدون ثقتهم بأمتهم ووطنهم وبأنفسهم وإمكانيات " (كلمة الرئيس الشاملة على مدرج جامعة دمشق 11/11/2005)
ونذكر جوانب من التحكميات الأمريكية بالنظام الدولي الجديد، حسب إضاءات الرئيس السياسة والفكرية والإنسانية:
أ ـ تزوير الحقائق وتزييف المفاهيم، مثل اتهام العروبة أو القومية العربية بأنها مفهوم عنصري، فالقومية ليست مفهوماً عنصرياً، ولا تبنى على العرق. وتعددت الاتهامات الأميركية بعد غزو العراق، على أن الشيء الغريب هو التسميات الأمريكية للعرب والمسلمين وللعراقيين، بخاصة أنهم جهاديون أو سلفيون أو أصوليون أو إرهابيون إسلاميون... إلخ، دلالة على الضياع الذي تعيشه قوات الاحتلال في العراق والضغط النفسي، وصارت لبنان ساحة مضطربة، واتخذ منها " محطة للتآمر على سورية ومواقفها القومية "، وأعلن الرئيس إزاء هذا التزوير والتزييف عدم التنازل وعدم السماح بتهديد الاستقرار، لأن المرحلة الحالية " بحاجة لحكمة وعقل ومرونة "، وتدعيم الشرعية الدولية بوصفها ميثاق الأمم المتحدة، " أما الفوضى الدولية فهي ارتكاز القرارات على بعض المصالح وبعض المزاجات لعض المسؤولين في هذا العالم، وعلى هذه الدول، وعلى هذه القوى، وعلى كل إنسان في هذه المنطقة "، ويقوم دعم الشرعية الدولية على المقاومة والصمود لمنع الفوضى الدولية
ب ـ ضرورة التعاون الدولي المستمر بعيداً عن المصالح الخاصة، بتطبيق المواثيق والقوانين الدولية، ونفي استخدام مجلس الأمن لأهداف خاصة، ونفي الضرار بمصالح الشعوب والأمم وارتباطها بمصالح أوربا وأمريكا، ودليل ذلك ما حصل في الماضي 11 أيلول في نيويورك: " تفجيرات مدريد، تفجيرات لندن، ما يحصل في اندونيسـيا، ما يحصل في الأراضي الفلسـطينية " (حديث الرئيس إلى التلفزيون الفرنسي القناة 3، 6/12/2005)
ج ـ تحسين العلاقات الدولية مع العرب والمسلمين، ومنها العلاقات الفرنسية والأمريكية مع سورية تجنباً للضغط والمصالح الأجنبية، وقد صار معروفاً أن الدولة مهمة بالنسبة للاستقرار، ومكافحة الإرهاب، وتحقيق عملية السلام، بما يفيد في الوقت نفسه إيقاف عمليات تسييس العلاقات الدولية، ومنها التحقيق الذي أفضى إلى المحكمة الدولية. أما اتهام سورية ومهاجمتها وشتمها فلا يخرج عن التسييس الأمريكي، " هذا كلام غير منطقي، ولا يمكن تبريره، فكما قلت القضية قضية سياسية بامتياز " (28/12/2005، حديث الرئيس لمحطة سكاي نيوز التركية)
د ـ ترسيخ العلاقات الدولية بالتفاهم والتعاون والتواصل الإنساني والحضاري، مثال ذلك تطور العلاقة مع تركيا في سائر المجالات الاقتصادية والسياسية والتنسيق الأمني والعلاقات الاجتماعية الطبيعية التاريخية
ومن المأمول أن يستند الترسيخ إلى المواثيق الدولية، وليس الاتهامات والمصالح الخاصة والحسابات الضيقة والإقليمية في غير محلها، " ومع تغير الظروف الدولية وانقلاب الوضع الدولي ليس ضد سورية فقط، وإنما ضد لبنان وضد الدول العربية بشكل عام، فمن الطبيعي أن ينقلبوا مع التيار الدولي، لأن هؤلاء جزء منه بالأساس، وليسوا جزءاً من الحالة الوطنية أو القومية " (حديث الرئيس لجريدة الأسبوع المصرية 9/1/2006)
أضاء الرئيس مفهوم العروبة الحضاري، على أن العروبة لا تعني العرب وحدهم، وتستثني الأكراد أو غيرهم من التقسيمات العرقية، والعروبة لا تتنافى مع وجود ثقافات وقوميات أخرى، ولا تنفصل عن الإسلام والمسيحية، لأن " العروبة هي التي تربط بين الجميع، وتوحّد الجميع "، ولا ينقطع أمن دولة عربية عن أخرى، وينبغي في الوقت نفسه مجاوزة الاستغلالات الشخصية والمصالح الذاتية المسيسة من إضرار هيمنة الخارج إلى عمالة فتن الداخل، على أن المقاومة الخارجية تتوحد مع المواجهة الداخلية
إن سبعة أعوام من إدارة الحكم والصراع من أجل الوطن والأمة في خضم مخاطر النظام الدولي الجديد المتماهي مع الهيمنة الأمريكية برهنت عن الحكمة الحية والبصيرة الثاقبة في مواجهة خلل التوازن القائم والمتفاقم في هذا النظام الدولي الجديد.
ثانياً ـ مقاومة الإرهاب:
شهد عهد السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد تجدد العزيمة على مقاومة الإرهاب المتمثل في الكيانية الصهيونية المتحالفة والمدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من لغة السياسة الرسمية التي تحكم علاقات الدول عادة، فقد كشفت إسرائيل العنصرية والنازية والعدوانية عن وجهها القبيح أكثر من أي وقت مضى خلال الأعوام السبعة، بل إن أحداث 11 أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن تفاقمت من شراسة الاحتلال والعدوان والهيمنة، في ظل التغطية على العرب والإسلام تضليلاً للحقائق وتزييفاً للوعي، حتى غدت الولايات المتحدة محرّكة لمحور الشرّ في العالم.
كان الرئيس واضحاً وصريحاً بدافع الشفافية والمصلحة القومية في إعلان مواقفه المبدئية الثابتة إزاء تسمية الإرهاب وفاعليه وعلاقاته المختلفة وأساليب مواجهته، فوصف أعمال إسرائيل الإجرامية الدموية ضد أبناء شعبنا في فلسطين باسمها، إذ «يثبت لنا يوماً بعد يوم بما لا يدع مجالاً للشك، عجز قادة إسرائيل عن إخفاء طبيعتهم العنصرية العدوانية، بل إنهم تجاوزوا هذا إلى حدّ الإعلان عنها أسلوباً معتمداً في التعامل مع العرب، وما تغيير الأسلوب الإسرائيلي في القمع من إطلاق الرصاص الحي على الأرجل، إلى التسديد مباشرة على الرأس والصدر، إلا دليل واضح على رغبة عارمة لدى الإسرائيليين في القتل ثم التخطيط لها مسبقاً، وعلى أعلى المستويات» (من كلمة سيادته في مؤتمر القمة العربية ـ القاهرة ـ 21/10/2000).
فضح الرئيس الإرهاب الإسرائيلي المنظم وممارسة داعميه الذين يقلبون الحقائق جهاراً بقوله في كلمته أمام مؤتمر القمة الإسلامية (قطر 12/11/2000):
«الإسرائيليون يقتلون...والعرب والمسلمون يتهمون بالإرهاب ومعاداة السامية ـ مع معرفتهم الأكيدة بأننا ساميون وسابقون على غيرنا من الساميين. هم يستحقون مبادئ حقوق الإنسان...ونحن نُدان وتوصف باللاإنسانية والمتخلفين. ومن ثم يشتمون النازيين القدامى، ويمارسون نازية جديدة لم نقرأ عن مثلها في التاريخ».
ومضى الرئيس في تعريته للإرهاب ومصدّريه، ثم جاوز ذلك كلّه إلى أهمية فهمه بالنسبة إلينا، ولاسيما ارتباطه بالأداء الوطني والقومي، فقال في حديثه إلى جريدة «الشرق الأوسط» العربية اللندنية بتاريخ 7/2/2001):
«مفهوم الإرهاب طرحته أمريكا، وهو لا يعنينا بالشكل الذي طرح. نحن نفرّق بين الإرهاب والمقاومة. وعلى كل الأحوال هذا الوضع هو عبارة عن أداة ضغط، ولكنها غير فعالة. نحن نتابع الأداء الوطني والقومي، ولا نربطه بهذا المفهوم أو بغيره».
طالب الرئيس بمواجهة التطبيع وتفعيل النضال القومي ضد أشكال العدوان كافة، وبإعادة الاعتبار لقرار الأمم المتحدة الذي عّد الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، «فبالطبع لا ننسى أهمية تطبيق أحكام المقاطعة العربية لإسرائيل بإيقاف كل أشكال التعاون والتعامل معها من قبل الدول العربية لأي سبب وبأي ظرف حتى تخضع لشروط السلام كلّها وتقوم بتطبيقها» (من كلمته في مؤتمر القمة العربية ـ عمان 27/3/2001).
ولعل كلمته الترحيبية بقداسة الباب يوحنا بولس الثاني عند زيارته دمشق بتاريخ 5/5/2001 هي الأكثر مواجهة للإرهاب الإسرائيلي المتأصل في تحليل تاريخي، وراهن في الوقت نفسه:
«وأنتم يا صاحب القداسة تجسّدون بوجودكم على الكرسي البابوي في روما قمة المسؤولية في الحفاظ على القيم. خاصة أن هناك من يسعى دائماً لتكرار رحلة الآلام والعذاب مع كلّ الناس، فنرى إخوتنا في فلسطين يُقتلون ويُعذبون. ونرى أن العدل ينتهك... فتحتل أراض في لبنان والجولان وفلسطين، ونسمعهم يقتلون مبدأ المساواة عندما يتحدثون عن أن الإله خلق شعباً متميزاً عن الشعوب الأخرى».
تابعنا بتقدير كبير لمواقفه تلك الهجمة الغريبة الموالية للصهيونية أو المدافعة عنها استجابة لادعاءات إسرائيل الباطلة، حين ساءهم وصف العذاب الذي يتعرض له الفلسطينيون في فلسطين بعذاب السيد المسيح:
«وما قمت به هو تشبيه عذاب السيد المسيح بعذاب الفلسطينيين لكونهم يقتلون يومياً، وتُهدم بيوتهم وغيرها من الإجراءات القمعية. كانت النتيجة أن قام المسؤولون الإسرائيليون فوراً بحملة على هذا الخطاب، وادّعوا بأنه هجوم على اليهود» (من حديث سيادته لمجلة دير شبيغل الألمانية بتاريخ 8/7/2001).
وعزا سيرورة الإرهاب الذي يكاد دولياً ضد العرب والإسلام إلى الخلل القائم في النظام الدولي الجديد الذي يشيع سياسته الهيمنة الأمريكية إزاء «غياب التوازن في عالمنا الحالي، وهذا التوازن المقصود ليس بالضرورة ذا طبيعة اقتصادية أو عسكرية، بل هو توازن قيم وأخلاق ومفاهيم، هو توازن عدل وإنصاف بين الشعوب والأمم، بين الغرب والشرق، بين الشمال والجنوب» (من كلمة سيادته في مؤتمر القمة الإسلامية ـ قطر بتاريخ 12/11/2000).
طالب الرئيس أمريكا على الدوام بعملية ترميم لموقفها المنحاز لإسرائيل، و«لا يمكن أن تقوم بهذا الترميم من دون قرارات أو إجراءات غير منحازة لإسرائيل وحيادية ترتكز على مبادئ مدريد وعلى قرارات مجلس الأمن 242و338» (من حديث سيادته في المؤتمر الصحفي الذي عقد في دمشق بحضور الرئيس مبارك بتاريخ 15/1/2001).
أكدت سورية باستمرار إدانتها للإرهاب بأشكاله كافة، ونادى الرئيس إلى التضامن مع الشعوب الأخرى في مواجهة العمليات الإرهابية التي تستهدف أمنها واستقرارها، كما هي الحال مع إعلان هذا الموقف مع الجانب الروسي في عدم جواز ربط الإرهاب بثقافة أو ديانة محددة، وفي ضرورة تنسيق الجهود الدولية للتعامل الفاعل مع هذه الظاهرة المتعلقة (من كلمته في مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس فلاديمير بوتين تكريماً له 26/1/2005).
وانضمت سورية إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع تحفظها على أحكام الفقرة ب من البند أ من المادة 2 فيها حيث أن الجمهورية العربية السورية تعتبر أن أعمال مقاومة الاحتلال الأجنبي لا تندرج في عداد الأعمال الإرهابية (القانون رقم 5 للعام 2005 تاريخ 3/4/2005).
لقد اشتد الإرهاب الدولي ضد العرب والمسلمين ضمن اضرار الهيمنة والتسييس الدولي لمصالح هذه الدول الغربية المستهدفة للوجود الوطني والقومي، ورأى الرئيس الإرهاب في الدول العربية باسم الإسلام أو سواهم لا يخرج عن " سياسة النعامة التي تطمر رأسها في التراب لكي لا ترى الحقيقة، الخطر أو الخطأ الأسـاسي الذي يؤدي إلى الإرهاب في العراق هو أولاً الحرب الخاطئة، ثانياً، الأداء السياسي الخاطيء في إدارة أمور العراق من قبل القوى المحتلة، وهذه التهمة لسورية هي لإلقاء اللوم على طرف آخر لكي لا يتحملوا المسؤولية بكل بساطة " حديث الرئيس للتلفزيون الفرنسي القناة 3، 6/12/2005)
نوضح آفاق ورؤى مقاومة الإرهاب في سياسة الرئيس وفكره القومي والإنساني:
أ ـ خلل تسمية المقاومة عند العرب بالإرهاب، كما هي الحال في العراق ولبنان والسودان وفلسطين على سبيل المثال، ففي العراق يزداد الإرهاب الخارجي مع الداخلي بتأثيرات الحروب، وفي لبنان يلقى اللوم على سورية بينما الإرهاب من تداخلات الخارج مع الداخل في العنف والقتل والدماء والتفجير والتدمير، وأنتشر ذلك في سورية في نهاية سبعينيات القرن العشرين وأوائل بدايات الثمانينيات بفعل الأخوان المسلمين المناهضين لجوهر العروبة والإسلام، " وهناك تيارات أخرى مشـابهة غير الإخوان المسلمين تؤمن بالعنف والإرهاب، ربما اعتقاداً منها بأن هذا الشيء يخدم الإسلام، طبعاً لا يوجد إرهاب إسلامي، لأن الإرهاب ينفصل عن الإسلام " (حديث الرئيس للتلفزيون الروسي 12/12/2005)
توسعت رؤى الرئيس لانتشار الإرهاب في العالم كلّه، في نيويورك وفي لندن وفي مدريد، وهناك معاناة من عمليات إرهابية في روسيا، على " أن الكثير من الإرهابيين يتخذون ذريعة إما قضية دينية، أو قضية سياسية "، والمفيد هو تحقق " شبكة من التعاون وسورية، كما قلت، لديها خبرة، ولديها رغبة كبيرة بهذا النوع من التعاون "
ب ـ ضرورة مواجهة الإرهاب بالتعاون الدولي المتبعد عن التسييس وفق مصالح هذه الدول المستهدفة أو المهيمنة و " الحل الوحيد هو بالعمل السياسي وبالحوار لا خيار آخر، وثبت أن الحرب لا تحقق نتائج إيجابية حتى لو كانت تقوم بها دول عظمى وقوية " (الحديث نفسه 12/12/2005)
وتصير المواجهة ضعيفة وغير سليمة كلما دخلت في الصراعات السياسية أو الاقتصادية، وفي الحروب الثقافية باتجاه العرب والإسلام، وهناك محاولة لتشويه كل الدول الإسلامية تشويه ثقافتها وحضارتها على أساس أن كل مسلم متطرف وكل مسلم إرهابي، واعتقد بأن تركيا وسورية لهما دور مهم جداً في توضيح صورة الاسلام المعتدل والحقيقي، من هنا أرى أن منظمة المؤتمر الإسلامي مهمة في كل هذه المجالات "
ج ـ تركز الإرهاب إلى حّد كبير على المبدأ الطائفي بالدرجة الأولى، وهذا الأمر الجائر والظالم يؤدي " إلى تفكيك العراق وتدميره طالما أنها ترتكز على الأساس الطائفي " (كلمة الرئيس أمام مؤتمر المحامين العرب، 22/1/2006)
مثلما زاد التهديد ما بعد الاستعماري إلى الهجوم على الأقطار العربية، ومنها الهجوم على سورية، لأنها متمسكة بالاستقلال والسيادة، وسيبقى كلك لتأصيل لوجود وحمايته، وأكد الرئيس مراراً " أن الإصلاح يبدأ وينطلق من حاجاتنا الداخلية فقط، ونرفض رفضاً مطلقاً أي إصلاح يفرض من الخارج تحت أي عنوان أو مبرر " (الكلمة نفسها 22/1/2006)
د ـ صار الضعف الداخلي العربي ناتجاً عن مؤامرات خارجية وإرهابها، وعن قصور ذاتي تعرقل التنامي السـياسي والاجتماعي والاقتصادي ويندغم الضعف الداخلي مع أهوال الإرهاب العام ، بينما صارت إسرائيل " يوماً بعد يوم هي أبعد عن السلام بكّل شرائحها حكومات وأحزاباً وعموماً النقطة الثانية وهي نقطة جديدة وغير مسبوقة، لأن الولايات المتحدة أبعد من إسرائيل عن عملية السـلام " (حديث الرئيس في افتتاح الدورة الرابعة للمؤتمر العام للأحزاب العربية، 5/3/2006)
هـ ـ أهمية دعم مفهوم المقاومة في الثقافة والإعلام والعمل السياسي لنفي الإرهاب والتصدي لتياراته من الهزائم المعنوية والنفسية إلأى الهزائم المادية والمشـروعات الوطنية والقومية . والمطلوب هو قوة الوطن العبي وأقطاره بإمكاناته وبمكانته وقد ارتبط الإرهاب بالمعلوماتية والاستخبارات والمعارف غير الصادقة، والقضايا الأمنية غير الواقعية، مما يستدعي التعامل مع الحقائق، وليس مع مجرد الاتهامات ويقوم نفي الاحتلال على سلامة الدمقرطة من المبنى الاجتماعي العربي، " فأي ديمقراطية مسـتوردة بغض النظـر عن الإرادة خلفهـا.. ستكون فاشلة " (حديث الرئيس إلى شـبكة " بي بي اس "، 29/3/2006) ومالم تطبق هذه المعملات مع الديمقراطية، فإن المتطرفين والإرهابيين، حسب خطاب الرئيس، لا يقبلون بالآخر، و " الديمقراطية هي حول كيفية قبول الرأي الآخر "
و ـ ضرورة تحسين العلاقات العربية ـ العربية وتواصلها للخلاص من الإهاب الدولي من جهة والمحلي الذي لا ينفصم عن التحديات الأجنبية الإرهابية من جهة أخرى
ولا تسلم هذه الضرورة إلا بالحوار الحضاري، مما ينبغي، برؤى الرئيس، أن يكون الحوار مع أمريكا مباشرا، وأن تكون القدرة " على الحوار مع كل العالم " (حديث الرئيس لصحيفة الحياة اللبنانية، 27/6/2006) .
لا يماري أحد في وضوح مواقف الرئيس وصلابتها ومبدأيتها الثابتة في الحفاظ على المصالح القومية المهددة من الإرهاب الدولي المنظم الذي توغل فيه الكيانية الإسرائيلية من عولمة الولايات المتحدة، وإنّ سبعة أعوام من إدارة الحكم والصراع لشهادة حقة على الثقة والأمل في مستقبل عربي أفضل على الرغم من اشتداد المحن وتوالي النوائب.
من أقوال السيد الرئيس

كلمة تعهد تعني إنجازاً معيناً ضمن زمن محدد، وعند انتهاء هذه الفترة الزمنية عليك أن تسأل ما الذي تم إنجازه؟ ما طرحته أنا في الواقع هو منهج.. هو منهج تفكير.. يحتوي على أهداف عامة ترتبط بمستقبل الوطن. وبالتالي فمنهج التفكير بحاجة لمنهج عمل موازٍ لتحقيق تلك الأهداف.


الدكتور عبد الله أبو هيف