السبت، 25 مايو 2013

معركة وجود، وداعاً للهراء


كم نحن جيدون في الكلام والكتابة؟ كم نفتخر نحن بأقلامنا وأصواتنا الخافتة التي لا يسمعها أحد، حتى نحن لا نسمع أصوات أنفسنا المريضة، "شلال الشكوى الذي يتدفق ليل نهار، في أنسجة النفوس وفي البُنى الاجتماعية، وتفجره المعاناة وتُمِدُّه بينابيع لا تنفد ويستمر في حركة دائرية اجترارية سقيمة؛ ذلك الشلال ينخر العزم والقيم والإرادة، ويُدخل المرء والمجتمع في دوامة كئيبة ومقيتة، لن تسفر إلا عن مزيد من الأسى والبؤس والتآكل واليأس"*.

ومن خلال المواجهة والاصرار -بلا خوف- نسعى لأن نحقق كيان حقيقي، كيان نستطيع من خلاله أن نقول شيئاً مرادفين معه العمل المناسب، يمكننا بدايةً أن يكون مجرد عمل حتى وإن لم مناسبة درجة أولى، "ولأننا في اللحظة الحرجة من صراعنا في الوجود من أجل أن يكون لنا حضور فاعل ومحترم وقادر.... لأننا نواجه، في هذا الزمن العربي الرديء الصعب، تحديات تصل إلى تصفية مذلة لحقوقنا وقضايانا، وتهديد لهويتنا الثقافية وعقيدتنا الدينية وحضورنا الحيوي كله؛ فلا بد من أن نختار بين أن نواجه ما يرتبه ذلك كله علينا، أو أن نركن ببساطة ووضوح للتبعية والامحاء ونستسلم لمن يريد أن يفرض ذلك علينا، ونستمر في حالة "القطعانيَّة" التي نعيشها محرومين من حقوق كثيرة، ومميزات تجعل الإنسان مكرماً في الحياة ومتمايزاً عن دابة الأرض والسائمة المنتشرة فيها".

لن تكون هناك مساومة أبداً في المشاركة باتخاذ القرار، الديموقراطية وإن كانت تعني محلياً المشاركة في صنع القرار، لكن تعميمها يريدون أن يجعلوا القرار في يد الدول العظمى فقط، وباقي الدول مجرد دمى أو خشب شطرنج يحرّكهم الأكبر اقتصاداً ونفوذاً وعنجهيةً، وحتى نخطو خطوة "إلى ذلك لا بد من تعزيز مناخ ثقافي خصب سليم القيم والمقومات، يكون عامراً بالأمن من جوع وخوف وقادراً على إخصاب طاقة العطاء والإبداع. ولن يكون ذلك كذلك إلا بالسير، ثقافياً وسياسياً، على طريق أحدد مسارها بالقول: "إنها مسيرة المثقفين العرب من الشك إلى الثقة".‏


* ما بين " " هو اقتباس من كتاب: صمود وانهيار مسارات التفاوض العربية-الإسرائيلية بعد مؤتمر مدريد، د.علي عقلة عرسان، اتحاد الكتاب العرب 1998

الجمعة، 10 مايو 2013

العولمة، إلهاء العقول

 
مرةً قال لي أحدهم ما رأيك بالعولمة؟ قلت له: سؤالك شامل وعام! والعولمة متشعبة، فحدد لأحدد إجابتي. قال لي: العولمة بجانبها السياسي، قلت له: أيضاً حدد أكثر، فالجانب السياسي للعولمة متداخلٌ مع الجانب الاجتماعي. قال لي: كيف؟ قلت له: أن هناك أحد الفلاسفة يقول: أن الغرب -أنصار العولمة- وأطلق عليهم مسمى (الليبراليون الجدد) قد تصدّوا لحملة العولمة تحت مصطلح جديد مأخوذ من علم النفس الاجتماعي المعاصر وهو [ المجموعة المرجعية ]، وهذا المصطلح يعني الأدنى مستوى -معيشي، مجتمعي، سياسي، ثقافي- يتأثر بالأعلى مستوى، وطرح بعض الفلاسفة مثال بسيط، وهو للتقريب تأثر مجموعة شباب القرى بمجموعة شباب المدن، وهذه كثير ما نجدها في البلدان العربية خصوصاً مع ازدهار وتطور المدن ومواكبتها للتقدم والتحسن الوظيفي وما إلى ذلك من مظاهر تجذبهم.

قال لي: كيف يؤثر ذلك؟ قلت له: العولمة أساسها جعل الكون واحد، جعلهم كما يسمونه (قرية واحدة) وجعل الكون كالقرية أي انتشارالأخبار والأفكار وتداولها أسرع بكثير، فعندما تقول القرية الفلانية تعلم أنها صغيرة الحجم والبيوت متقاربة، هكذا هم يريدون العالم، حدوده متقاربة اليوم وغذاً تتلاشى الحدود عملياً حتى لو تبقى مجرد حدود نظرية موضوعة على الورق وبين السطور، وتأثيرها حتماً من جانب تغيير تفكير المجتمع، فالاعلام وهو أداة لا يمكن تخيل مدى قدرتها على اختراق أكبر عقل بشري! يكفيك أنه منذ اعلان بعض الدول العربية عن منع تداول فيلم ( قناع الثورة ) حتى قامت بعض القنوات بعرضه مرتين! وتداول الناس صوراً عنه وقاموا باشغال المجتمع بتفاهة غربية وصناعة غير معتادة -بغض النظر صحيحة أم خاطئة-.

قال لي: لماذا تنظر إلى العولمة من الناحية السلبية؟ لماذا لا نحاول أن نصنع نفسنا من خلالها؟ لماذا لا نبث أفكارنا بين طيّاتها؟ قلت له: لأننا بكل بساطة، لا نملك أسس ما قامت عليه العولمة، العولمة انتهجت طريقاً اقتصادياً ليس لأنها اقتصادية المبدأ والانطلاق والعمل، بل لأنها تحتاج إلى الاقتصاد! تحتاج لأن يكون بيد صانعيها ومحرّكيها رأس مال يساعدها على بناء أهدافها ووضع الخطط اللازمة!.

في الأحداث التي حصلت في 11 سبتمبر من يستطيع أن يخرج ويقول أن من عمل العمل الشنيع ليس فلان وفلان! جميع الاعلاميون قالوا فلان وفلان، أول من قال فلان وفلان هم أصحاب القرار! فقال دكتور القانون الدولي يوماً: "الاعلام هو أداة ووسيلة من خلالها تستطيع أن تدمر بلداً وتستطيع أن تبني حضارة!"، وهذا ما نشهده اليوم، وسائل الاعلام في أيدي الدول العظمى، وهذه الدول العظمى نفسها تمنع أي وسيلة اعلامية من اختراق حدود اقليمها، فلا يمكن أن تكون هناك وسيلة تؤثر على كيانها ونظامها وأفراد شعبها، عكسنا نحن الذين صرنا حقل تجاربهم فجرّبوا فينا العولمة وصنعوا القنوات الاعلامية ومزّقوا الصف ومن خلال نفسها الوسائل يصنعون (مصطلحات) رنّانة، طبعاً بعد دراسات عميقة ومتجذّرة في تكوين الناس، وهذه الدراسات تختص بكل مجتمع بمفرده، ففي معظم الاحصائيات تقول أن أمريكا تصرف ميزانية قدرها مليارات سنوية على الدراسات والبحوث العلمية، ومنها وسائل الاعلام، إذاً ببساطة وسائل الاعلام تسبب أحياناً الدمار وهذه كلها أخي العزيز تحت عنوان (العولمة).

قال لي: برأيك العولمة شيء سلبي؟ قلت له: ايجابي بنسبة قليلة، وهذه النسبة القليلة عندما نستخدم هذا المصطلح نحن بالشكل الصحيح، وهذا غير ممكن والسبب إننا لا نملك القرار الكامل، وهناك من يتحكم ويحرّك قراراتنا بشكلٍ أو بآخر على حسب المصلحة فنحن دول ضعيفة اقتصادياً لا نملك أية وسيلة تجعلنا ننهض ونكون ذا ثقل في المنطقة أو الساحة السياسية والاقتصادية، لا تستطيع أن تحرك اعلاماً جيداً ومنصفاً في ظل التأثيرات الداخلية والخارجية، التأثيرات التي قد تصنع وتصطنع من المغرضين والحاقدين، هذه مسائل معقدة صنعها الغرب -الليبراليون الجدد-.

قال لي: كلامك جيد، كيف نوقفها؟ قلت له: لنستحضر درس الأستاذ العلامة الشيخ سليمان المدني رحمه الله في الاشاعة، فعندما نطبق كلامه في ذاك الجانب، فربما نحد من سيطرة العولمة على الاعلام وبث الاخبار، والسياسة اليوم تعتمد اعتماداً كبيرة على الاعلام، لذلك لنتعامل مع كل ما يخالف الشريعة الاسلامية بأنه اشاعة يراد بها هدم الشريعة المحمدية، فقال العلامة المدني قدس سره الشريف: " الاشاعة واستغلالها في عمليتي الإلهاء والتوجيه. تعمد الفئات السياسية سواء كانت دولاً أو أحزاباً إلى القيام بعملية إلهاء أو القيام بعملية توجيه، وعندئذ لابد أن تقوم قبل تلك الأحداث أو بعدها بعمل ما، قد يكون ذلك العمل حدثاً اقتصادياً، وقد يكون خبراً يستحوذ على أذهان الناس، المهم أنه لابد أن يحصل شيء يوجه أفكار الناس أو يلهيهم، وذلك حسب العمل أو الشيء الذي يراد إحداثه." المصدر: دعوة الحق، المحاضرة: الاشاعة 1، صفحة: 174.

هامش: لا زالت هناك (مجموعة مرجعية) لتعرف وتتيقن من وجودها تابع بعد كل خطاب للدول العظمى أو اجتماع عدد الدراسات ومدى الاهتمام بالكلمات التي تطرح.

هامش أصغر: (المجموعة المرجعية) بيدها العالم، ما دام الناس مبتعدين عن رسالة السماء.