الوعي
المطلوب.. والمرغوب
"
الوعي: كلمةٌ تدلُّ على ضمِّ شيء. وفي قواميس اللغة العربية وَعَيْتُ العِلْمَ
أعِيهِ وَعْياً. ووعَى الشيء والحديث يَعِيه وَعْياً وأَوْعاه: حَفِظَه وفَهِمَه
وقَبِلَه، فهو واعٍ، وفلان أَوْعَى من فلان أَي أَحْفَظُ وأَفْهَمُ. وفي الحديث:
نَضَّر الله امرأً سمع مَقالَتي فوَعاها، فرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوعى من سامِع.
والوَعِيُّ الحافِظُ الكَيِّسُ الفَقِيه.
وعليه
لا وعي دون علم فكلما ازداد المرء علماً وفهماً ازداد وعياً ".[1]
وعيُ
المرء بالعلوم - شتّى العلوم - يجب أن يكون بثلاثة ركائز، حفظ العلم.. فهم العلم..
قبول العلم، كذلك حاصل وعيه بالعلوم السياسية، عندما نقول زيد يملك وعياً بالعلوم
السياسية فإذاً زيد محيط بالعلوم السياسية، والعلاقات السياسية، والمعاملات
السياسية، والأنظمة السياسية، وإن حَفِظَ وفَهِمَ وقَبِلَ العلوم السياسية بجميع
موضوعاتها منها على سبيل المثال لا الحصر المجتمع والنظام السياسي، فإن زيد يملك
وعياً سياسياً قادراً على تعاطي السياسة من خلال وعيه بها.
المقدمة
السابقة تبيّن لنا أن الوعي بركائزه – حفظ وفهم وقبول – أساس لِأَنْ نُطلق على
مجموعة من البشر أنّهم يملكون وعياً، والسؤال يُطرح؛ هل إن كان هناك في المجتمع
مئة زيد يملكون وعياً سياسياً حاصله أنّ المجتمع برمّته واعٍ سياسياً!؟ أم هل إن
كان هناك في المجتمع مئة عمرو لا يملكون وعياً سياسياً حاصله أنّ المجتمع برمّته
غير واعٍ سياسياً!؟
لا
يمكن أن نسمّي – انطلاقاً بتعريف الوعي – أن المجتمع الفلاني واعٍ، أو أنّ الأمّة
الفلانية واعية، أو أن الحزب الفلاني واعٍ، لأن الوعي يجب أن يكون نابع من حفظ
وفهم وقبول، والمجتمع بفئاته وطوائفه لا يمكن أن يملك وعياً واحداً، والعلوم لا
يمكن أن يجمعها أفراد المجتمع كلهم ليكون ذات الوعي جميعهم! فمن الصعب أن نطلق على
مجتمعٍ واحد أنه يملك وعياً سياسياً، وعياً إسلامياً، وعياً تاريخياً.
كما
ذكرتُ في بداية المقال من الاقتباس أنّ " لا وعي دون علم فكلما ازداد المرء
علماً وفهماً ازداد وعياً "، وإن كان لا وعي دون علم، فإن لا علم بلا قبولٍ،
فالإنسان في قبوله لأي علوم يجب أن يعي ما منها من مشقة وما في المشقة من فوائد
ونتائج، فإذا عرف الإنسان تلك العلوم ومناشئها وما يتبعها وما يترتب عليها – معرفة
واعية – أي كان وعيه لجميع متطلبات العلوم، سيملك الأسئلة والإجابات ويبحر في المناظرات
والمداخلات ويشارك في المحاضرات والندوات والمؤتمرات.
ففي
مقال نُشِرَ في مجلة ( Foreign Affairs ) عدد يناير – فبراير 2006 عنوانه
" هل تجاوزت العولمة ذروتها ؟ "، وإن ارتبطت ( العولمة ) بشكل رئيسي في
الإقتصاد ورأس المال إلا أنّها صاحبت تأثير في وعي أكثر الإقتصاديين، ففي المقال
يتحدّث الكاتب عن " تباطؤ العولمة كانت جليّة للعيان منذ مدة من الزمن ...
لقد كان لدى الأطراف أفكار متباينة وآلية واحدة ... " حتّى إذ قامت مجموعات –
حددها الكاتب في حكومات مؤثرة – كأمريكا والإتحاد الأوروبي، يقول عن أمريكا "
إذ عوّلت على قوتها المالية ومؤسساتها الخاصة في إبرام اتفاقيات ثنائية مع الدول
الأخرى بصورة مباشرة ..." وعن أوروبا، أوضح " إن الرؤية الأوروبية
لإدارة العولمة تقوم على عالم تحكمه قوانين جمعية ( متعددة الأطراف ) متمثّلة في
سلطة ... "، هذا يوضّح لك أن الوعي يحتاج إلى عمل، وإن كانت العولمة في
بدايتها قام بها أفراد لم يؤثّروا ذاك التأثير حتّى قامت دول وحكومات بدعمها
عمليّاً فكان تأثيرها قوياً وواسع، هذا مثال من جانب تأثير الوعي الإقتصادي لدى
المؤسسات، كذلك هناك تأثير على الوعي الديني، والوعي السياسي، والوعي التاريخي،
وهناك أساتذة متخصصين في فن التأثير بوعي الإنسان، وإن كان لابدّ من اتخاذ خطوة
للتأثير في وعيٍ ما أن تكون الخطوة هي القبول وبعد ذلك تمكين الأرضية المناسبة
لها، ليكون تأثيرها أفضل وأنجع.
ربّما
أهمية القبول في وعي الإنسان، هو أن يكون مقتنعاً تماماً بقبوله لأي علم من
العلوم، وطالما أنه مقتنعاً بالعلوم – السياسية مثلاً لا حصراً – فعليه أن يقوم
بنشر علمه وفهمه وبثّ أفكاره، والبثّ يختلف؛ أحياناً تُبَثُّ الأفكار عن طريق
مقالٍ أو كتابٍ أو محاضرةٍ، وأحياناً تُبَثُّ عن طريق العمل بها – أي بالأفكار –،
وفي نظري القاصر أن الطريقة الثانية وهي العمل بالأفكار أقوى من الأولى لما يكون
للأفكار تأثيرٌ قاطعٌ خاصٌّ وواسع، سواء كان العمل فردي أو جماعي، والعملُ الفردي
يقع على عاتق فرد – إنسان – واحد يبدأ ويبني ويهيئ ويجعل فكرته نموذج عملي يُقتدى
به فتطول مدّة العمل بما يدعو له من أفكار، أما العملُ الجماعي فــ " يعمد
إلى تفهّم الأرضيات المناسبة الموجودة في البيئة، فيطوّرها إلى جهةٍ تنتهي إلى
تحقق الدعوة والفكرة "[2].
فالوعي
يستمّر ويزداد كلّما زاد الإنسان علماً وكلّما زاد الإنسان قبولاً وفي مقابل
القبول يجب أن يكون هناك تسليماً – بمعنى آخر – أن يسلّم الإنسان للعلوم الذي
يأخذها ويتعلّمها ويحفظها ويفهمها، هذا هو القبول الصحيح، فالعلوم التي يجب أن
يسّلم لها الإنسان المؤمن والمسلم هي العلوم الدينية – وهنا مجال للحصر قليلاً –
لأن الإنسان بحاجة لهذا الوعي الديني، مع زيادة وسائل التواصل الإجتماعي ومع
استمرار انتشار الأفكار الغربية واستخدام مصطلحات طنّانة رنّانة تستحوذ على
الأذهان وتلفت الآذان، وتستبق الأنظار وتتحكم بالأخبار، لذا على الإنسان المؤمن أن
يحترز ويتوخّى الحذر ويحرص حرصاً شديدا.
إذ
" يجب أن يكون للمعرفة والعلمِ وطلبهما نقطة انطلاق صحيحة عالية، ومقصد فاضل،
ووجهة خالصة إلهية حتّى يكونا وسيلة وذريعة إلى خير الإنسان ونفعه، ورفاه في
حياته، وتحكيم صِلاتِه بالله وبالنّاس "[3]
، وانطلاقة الوعي أيضاً تحتاج لنيّة صادقة وتقرّب خالص إلى الله عز وجلّ، لنيل
درجاته، والوصول إلى مرضاته، والابتعاد وتجنّب الأفكار المنحرفة في مجتمعاتنا.
وقال
المتنبي :
ولم
أر في عيوب الناس عيبا
كـنقص
القادريـن عــلى التـمـام